الأصل في هذا الباب: أنّ عند أبي حنيفة لا تجوز المفاداة (١) بالأسرى، ولا تجوزُ بغيرهم، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يجوز أن يفادى أسرى المشركين بأسرى المسلمين.
وجه قوله: قوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، وقال: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣]، وهذا يدل على وجوب قتلهم بكلّ حالٍ، وذلك يمنع ردّهم إلى دار الحرب؛ ولأنّهم صاروا من أهل دار الإسلام بحصولهم في أيدينا، فلا يجوز أن يفادى بهم أسرى المسلمين كأهل الذمّة، ولأنّ فيه معونةً لأهل الحرب بما يختصّ بالقتال، وذلك لا يجوز كما لا يجوز بيع السلاح منهم؛ ولأنّ ردّ الأسرى إليهم معصيةٌ، فلا يجوز فعلها وإن أدى ذلك إلى خلاص المسلمين كسائر المعاصي.
وجه قولهما: قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤]؛ ولأن في ذلك تخليصًا للمسلمين من العذاب والفتنة في الدين، فكان دفع الضرر عن المسلمين أولى من الانتفاع بالأسير.
(١) "المفاداة: من فاداه مفاداة وفداءً، أي: دفع فديته، والأسرى عنده: حررهم مقابل تحرير مثلهم من الأسرى عند عدوه"، أو: هو أن يطالب الإمام من الأسير أن يفدي نفسه بمال، أو يُطلب من الأعداء أن يفادُوا أسراهم بأسرى المسلمين. المعتمد في الفقه الشافعي ٥/ ٩٠.