يسرُّ "مشروع أسفار" أن يقدِّمَ للقارئ الكريم الإصدارَ الثَّالث والأربعين من إصدارات المشروع: (شَرح مختصَر الكَرخيِّ) للفقيهِ أبي الحسين القُدُوريِّ (ت ٤٢٨)؛ يُنشر لأوَّل مرَّةٍ.
كتابُنا الفَخم من مدوَّناتِ الفقهِ المتقدِّمة، يشرح متنًا تعليميًّا أصيلًا في مذهب الإمام أبي حنيفة؛ حبَّرَهُ قلمُ فقيهٍ من القرن الرَّابع الهجريِّ: هو "أبو الحسن الكرخيُّ" أحدُ مجتهدي طبقتهِ المذهبيَّة، ولقد اشتغلَ العلماءُ بمختصره الفقهيِّ شرحًا وتدريسًا، وكان من أهمِّ شروحهِ كتابُنا للشَّارِحِ القُدُوري، الذي "انتَهَت إليه رئاسةُ الحنفيَّة" في بغداد، وانتفع النَّاس بمؤلَّفاته، وكان فقهيًا من ذوي النَّجابة والذَّكاء، مشهودًا له بالصِّدق.
وتجلَّت إمامتهُ "مذهب الحنفيَّة" خلال شرحهِ المختصر: في استيعابهِ لفروع مذهبه، ومعرفتهِ بالرِّوايات والأوجه والخلافيَّات؛ ذلك لكونِ المتنِ المشروح من المختصَرات الشَّاملة الجامعة، وقد ذكر الشَّارح في مقدِّمته:"أَنَّ المختصر يجمَعُ من فروعِ الفقهِ ما لا يجمعهُ غيرهُ".
لذا ظَهَرت عنايةُ الشَّرح بالتَّعليل والتَّدليل للمسائل، وتوجيهِ مآخذِ الأقوال، ولم يخل الكتاب من مناقشةٍ للاستدلال، وبيان الخلاف العالي عند ورود مسائلهِ المتنازعة بين الحنفيَّة وسائر المدارس الفقهية: كـ (المالكية، والشَّافعية، وأهل الحديث).
ويزيدُ من أهميَّة الكتاب: أنَّ المتن الأصليَّ لأبي الحسن الكرخيِّ لم يصلنا إلا من خلال شروحه، فهو في حكم المفقود. وقد اكتسبَ هذا الشَّرح مكانته