للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يختلف حدّ كثير الشيء وقليله، كما أنّ القليل من الدم يعفى عنه في الصلاة، وكثيره يمنع منه، وكما أنّ النفقة مباحةٌ والسرف فيها محرمٌ.

وقد قالوا: إنّ شُرْب البنج يجوز للتداوي، فإذا أزال العقل لم يجز.

قال أبو الحسن: واعلم أنّ الروايات عن رسول الله بالتحريم ضربان: أحد الضربين محرمٌ لأجل ظرفه [الذي انتُبذ فيه]، وهو ما روي (أنّه نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفّت) ونحو ذلك (١)، وهذا الضرب منسوخٌ عندنا بسنة رسول الله ، يعني: أنّه ورد عنه أنّه قال: "كنت نهيتكم عن الظروف، ثم رأيت أنّها لا تحرم شيئًا، فانتبذوا ولا تشربوا مُسكرًا" (٢).

قال: والضرب الآخر: التحريم لنفس المشروب، وهو قوله: "كلّ مسكرٍ حرامٌ" (٣)، واختلف العلماء فيما وقع عليه قوله: "كلّ مسكرٍ حرامٌ"، فقال طائفةٌ: هي الشربة التي يعقبها السكر، وقالت الطائفة الأخرى: ما أسكر كثيره فالمسكر واقعٌ على جميعه [قليله وكثيره]، والتأويل الأول أصحّ [عندنا].

والاختلاف المشهور عن الفقهاء وأهل الحديث ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنّ ما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرامٌ، نيئًا كان أو مطبوخًا.

وقولٌ ثانٍ: وهو أنّ نيء ذلك إذا اشتدّ حرامٌ كثيره وقليله.

وقول ثالثٌ: أنّ نيء ذلك ومطبوخه حلالٌ، ما خلا ما خرج من الكرم


(١) أخرجه البخاري (٥٣)؛ ومسلم (١٧)، من حديث ابن عباس .
(٢) أخرجه مسلم (٩٧٧) من حديث بريدة .
(٣) أخرجه البخاري (٥٧٧٣)؛ ومسلم (٩٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>