للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بدليلٍ شرعيٍّ، وقد دلّت الأدلة على تحريمه إذا بلغ إلى الحدّ الذي قال أبو حنيفة، وما قبل ذلك على أصل الإباحة؛ ولأنّها إذا لم تقذف فلم تبلغ [إلى] غايتها، فصارت كما قبل الغَلَيَان؛ ولأنّ الخمر تتعلّق بشربها الحدود، والحدود تجب في المقصود من كلّ نوعٍ، ومالم يقذف العصير بالزَّبَد، فلم يبلغ الغاية المقصودة من الشراب، فلم يجز وجوب الحدّ فيه.

وجه قولهما أنّ الحكم يتعلّق بحدوث الشدّة، وذلك موجودٌ إذا غلى؛ ولأنّ القذف بالزَّبَد إنّما يعتبر لترقّ وتصفو، وعدم هذا المعنى لا يمنع من التحريم.

فإذا عرفنا الخمر على القولين؛ فالأصل في تحريمها قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ٢١٩]، وقال في الآية الأخرى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٣٣]، وقد قيل: إن الإثم من أسماء الخمر، وأنشدوا فيه:

شربت الإثم حتى زال عقلي … كذاك الإثم يذهبُ بالعُقُولِ (١)

[وروي: حتى ضل عقلي]، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الآية [المائدة: ٩٠] (٢)، وقد روي أنّ عمر [دعا] فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزل قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ٢١٩]، وقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فأنزل الله تعالى:


(١) واستشهد به الجوهري في الصحاح وابن منظور في اللسان للخمر، بلفظ (حتى ضَلَّ) (أثم).
(٢) انظر: تفسير ابن عطية ص ٥٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>