وأما ابن أبي ليلى، فمن أصله أن المودَع يجوز له أن يودِع (١)، فإذا أسلم إلى أجنبي لم يضمن بالتسليم.
قال: وإذا استودع رجل رجلًا ألف درهم، فقال: خبئها في بيتك هذا، فخبّأها في بيتٍ آخر من داره تلك، فضاعت الوديعة، فلا ضمان عليه، وكذلك لو قال: ضعها في كيسك هذا، فوضعها في صندوقه، لم يضمن، وكذلك لو قال: أمسكها بيدك ولا تَضَعْها ليلًا أو نهارًا، فوضعها في بيته، فهلكت، لم يكن عليه الضمان.
وذلك لأن البيوت في الدار الواحدة حرزٌ واحدٌ، ألا ترى أن السارق إذا نقل من بيتٍ [إلى بيتٍ] لم يقطع، والحرز الواحد لا فائدة في تعيين بعضه دون بعضٍ، والأمر الذي لا فائدة فيه يسقط حكمه، أصله: إذا قال: أودعتك على أن تنظر إليها بعينك اليمنى دون اليسرى.
وليس هذا كما لو قال: احفظها في هذه الدار، فحفظها في دار أخرى؛ لأن كلّ واحدٍ من الدارين حرزٌ منفردٌ، والأحراز تختلف، فللمالك غرضٌ في بعضها دون بعضٍ صحيحٌ، فصحّ تعيينه، فإذا أودع في غير الحرز، ضمن.
وأما إذا قال له: عليك أن تمسكها بيدك ولا تضعها، [فإن] هذا مما لا يمكن، والأمر به لا يتعلق به حكمٌ، فسقط.
ولو قال: لا تخرجها من الكوفة، وضعها في بيتك، فخرج بها عمدًا إلى البصرة أو إلى غيرها، ضمن؛ لأن السفر فيه خطر بالمال، فإذا نهاه عنه، فقد خصّ الحفظ تخصيصًا فيه فائدةٌ، فتعلّق الحكم به.
(١) في ب (أن المودع له أن يحفظ الوديعة بنفسه وبمن في عياله يودع). خطأ.