للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهم أيضًا محاربون عند زفر، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن.

والأصل في حدّ قطاع الطريق (١): هذه الآية، وقد تكلم الناس في معناها، فمنهم من قال: إن قوله: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، المراد به: يحاربون أولياء الله، وأولياء رسوله؛ لأن الله تعالى يستحيل أن يُحارَب، ولكنهم لما حاربوا أولياءه، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

وقيل: إن المراد بالآية: أنهم في حكم المحاربين الله؛ لأنهم تحزّبوا وامتنعوا وتظاهروا بخلاف أمره، فصاروا في حكم المحارب له، وهذا اتساع في الكلام.

وهو كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ﴾ [الحشر: ٨]، وهذا مجاز؛ لأن المشاقّ من كان في شقٍّ، والآخر في شقٍّ، وهذا لا يوصف به الله تعالى، وإنما هو استعارةٌ.

وقد قال أصحابنا وجميع الفقهاء: (إن الآية تتناول المسلم والكافر، وهو قول السلف، ومن المتأخرين من قال) (٢): إن الآية خاصةٌ في المرتدين، وهذا فاسدٌ؛ لأن قتل المرتد لا يقف على المحاربة، ولا على إظهار الفساد في دار الإسلام، ولا يجوز أن يقتصر به على قطع اليد، ولا على النفي، والآية تقتضي ذلك.

ولأن الآية تقتضي سقوط الحدّ بالتوبة قبل القدرة، والمرتد يسقط حده بالتوبة قبل القدرة وبعدها، فدل أن الآية لا تعلّق لها بالمرتدين (٣).


(١) وهكذا سمّى الشافعي في الأم: (حد قاطع الطريق) ص ١٢٤٦؛ ولا يوهم هذا بأنه حد مستقل عن (حد الحرابة)، والآية المستشهد بها ابتداءً يدل على ذلك؛ إذ قال المؤلف بعد سطرين: (إنهم في حكم المحاربين الله تعالى؛ لأنهم تحزَّبوا وامتنعوا وتظاهروا بخلاف أمره، فصاروا في حكم المحارب، وهذا اتساع في الكلام).
(٢) ما بين القوسين سقطت من ب.
(٣) انظر: تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز) ص ٥٣٦ - ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>