وجه قول أبي حنيفة: أن الأثر والموت ليس بموجب الشهادة، بدلالة أن الجلاد قد يجلده فيبقى لجلده أثرٌ وقد لا يبقى، ويموت المجلود ولا يموت، فلو كان ذلك من موجب الشهادة، لم ينفك عنها كزوال (١) الجلدات، وكالموت في الرجم، وما لم يوجبه الشاهد بشهادته، لم يلزمه ضمانه.
ولأنه لا يخلو: أن يجب الضمان في بيت المال، أو على الشاهد، أو على الجَلَّاد، ولا يجوز إيجابه في بيت المال؛ لأن الأثر ليس من موجب الحكم، ألا ترى أنه [قد] ينفك عن الحكم، وما لم يوجبه الحاكم لا يجوز أن يتعلق ببيت المال، ولا يجوز أن يضمن الشاهد لما قدّمنا، ولا يجوز أن يضمن الجلاد؛ لأنه مأذون في الفعل من طريق الحكم لا على وجه البدل، ولم يعتمد تجاوز ما أمر به، فصار كمن يستعين به في دقّ ثوبٍ فتخرّق، فلم يبق إلا سقوط الضمان.
وجه قولهما: أن الأثر من موجب الضرب، والضرب حصل بمقتضى الشهادة، فكان الشاهد هو الموجب له، فوجب عليه ضمانه.
وإذا ثبت هذا، لزم الراجع ربع أرش الضرب؛ لأن ذلك هو الموجب له لشهادته، وإن مات المضروب، وجب عليه ربع الدية، وسقط أرش الضرب؛ لأنه ضمان حدٍّ، فيدخل في ضمان النفس.
وأما إذا كان الحدّ للرجم فمات المرجوم، ثم رجع أحد الشهود، فعلى الراجع الحدّ عند أصحابنا، وقال زفر: لا حدّ عليه.
وجه قولهم: أن الراجع صار قاذفًا عند رجوعه بالشهادة السابقة، ولم يصر قاذفًا بالشهادة، بدلالة أنا لو جعلناه قاذفًا حينئذٍ، أوجبنا على بقية الشهود الحدّ،