للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما تعرّيه عن الملك؛ فلأن الملك سببُ الإباحة، والوطء إذا وجد مع سبب الإباحة، فليس بزنا.

وأمَّا تعرّيه عن الشُّبهة؛ فلقوله : "ادرَؤُوا الحدود بالشبهات" (١)، والشبهة على ضروبٍ: فالعقد شبهةٌ عند أبي حنيفة، حلالًا كان أو حرامًا، اتفق على تحريمه أو اختلف فيه، علم الواطئ أنه محرمٌ أو جهل، وهو قول زفر.

وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تزوج نكاحًا مجمعًا على تحريمه، مَحْرَمًا كانت المرأة أو غير مَحْرَمٍ، والواطئ يعلم أنها حرام، فليس ذلك شُبهةً، وعليه الحدّ في ذلك الوطء، وإن كان لا يعلم فلا حدّ عليه، وهذا كنكاح ذوات المحارم، والخامسة، وأخت المرأة.

لأبي حنيفة (٢): أن هذا الوطء لا يسمى زنًا، ألا ترى أن الجاهلية كانوا يستحلون نكاح الأختين، والخمسة، وامرأة الأب، ولا يسمون ذلك زنا، والأسماء لا تتغيّر بالشرع، والحدّ ورد في الزنا، فلا يجوز أن يلحق به ما ليسَ من نوعه، كما لا يلحق بحدّ السرقة المختَلِس والمُنتَهب؛ ولأن هذه الأنكحة قد حَلّت في شرائع من [كان] قبلنا، ولم يحل الزنا في شريعةٍ من الشرائع، فدلّ على أنها ليست بزنا؛ ولأن المجوس يستحلّون نكاح الأمهات والبنات، ولا تسميهم العرب زناةً ولا أولاد الزنا.

وجه قولهما: أنه وطءٌ مجمعٌ على تحريمه على التأبيد في غير ملكٍ، فتعلّق به الحدّ كالزنا؛ ولأن الشبهة تعود إلى الاشتباه، وهذا مما لا يشتبه.


(١) أخرجه الترمذي (١٤٢٤) من حديث عائشة ، وحكى الترمذي الاختلاف في رفعه ووقفه، ورجَّح الوقف.
(٢) في ب (وجه قوله).

<<  <  ج: ص:  >  >>