وجه قول محمد: أن بينة الشفيع تثبت زيادةً في الاستحقاق، فهي أولى؛ ولأنه يمكن الجمع بين البيّنتين لجواز أن يكون باعهما متفرقًا، ثم باعهما في صفقة، فيكون البيع الثاني فسخًا للأول، وتتعلق الشفعة بالثاني، ويجوز أن يكون باعهما [أولًا] بصفقة، ثم باع متفرقًا، فيكون الثاني فسخًا للأول، إلا أن الشفعة لا تسقط بالفسخ.
وقال ابن سماعة في نوادر أبي يوسف: سمعت أبا يوسف قال في رجل اشترى دارًا، فطلبها الشفيع، وقال المشتري: اشتريتها وأحدثت البناء فيها، (قال: فالقول قول المشتري، وعلى الشفيع البينة أنه اشتراها وهذا البناء فيها)(١)؛ وذلك لأن المشتري لم يعترف بشراء البناء، فلم يجر استحقاق [البناء] فيه إلا ببينة.
قال: ولو اشترى رجل دارين ولهما شفيع ملاصق، فقال المشتري: اشتريت واحدة بعد واحدة، فأنا شريكك في الثانية، وقال الشفيع: بل اشتريتهما صفقة واحدة، فلي فيها الشفعة، فالقول قول الشفيع؛ وذلك لأنه اعترف بالشراء فيهما، وهو سبب للشفعة فيهما، وادعى تفريق الصفقة، وذلك معنى مسقط للشفعة عن إحدى الدارين، فلم يقبل قوله إلا ببينة، فإن أقاما بينة، فهو على الخلاف الذي قدمناه.
ولو قال المشتري: وهب لي هذا البيت من هذه الدار بطريقه، واشتريت بقيّتها، وقال الشفيع: بل اشتريتها كلها، فإني لا أصدق المشتري على إبطال الشفعة، وأجعل للشفيع الشفعة فيما أقرّ المشتري أنه شراء، ولا أقضي بالشفعة فيما زعم أنه هبة؛ وذلك لأنه اعترف بالشراء في بقية الدار، وادعى الشفعة بالشركة في الطريق، وذلك سَببٌ لا يعلم، وجوار الجار معلوم، فلا يسقط بقول المشتري.