وتعليل أبي الحسن بأنهما تصارفا وهما مفترقان يريد بذلك: أنهما لو تبايعا على هذا الوجه غير الدين لم يصح؛ لأن حقوق العقد لا تتعلق بالرسول، وإنما تتعلق بالمرسل، فإذا تعاقدا مع الافتراق قارن العقد ما يفسده لو طرأ عليه، فمنع من صحته
قال: وكذلك لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار، أو ناداه من بعيد: لم يجز شيء من ذلك لما بيّنا أن العقد يقارنه الافتراق المانع من صحته، وليس هذا كالبيع لو أرسل رجل إلى رجل رسولًا فقال: قد بعتك عبدي الذي في مكان كذا بكذا كذا درهم، فقبل ذلك، كان البيع جائزًا، وكأنّ الرجل كلمه بالعقد؛ وذلك لأن الافتراق لا يؤثر في البيع، فقام قول الرسول مقام قول المرسل، وحقوق العقد متعلق بالمرسل، فكأنه فارقه عقيب العقد، فلا يفسد العقد.
وقال هشام عن محمد: في رجل قال: اشهدوا أني اشتريت هذا الدينار من ابني الصغير بعشرة دراهم، ثم قام الأب قبل أن يزن العشرة، قال: باطل؛ وذلك لأنه هو العاقد، فلا يمكن اعتبار القبض بالافتراق، فاعتبر بالمجلس.
قال [محمد]: وفي العاقدين: لا يبطل إلا بافتراقهما.
وقال هشام عن محمد: في الواحد إذا عقد ونام في مجلسه، قال: إن نام طويلًا فإنه يبطل الصرف، وإن نام يسيرًا فهو على صرفه؛ لأن عقد الواحد لما اعتبر فيه المجلس دون الافتراق، صار كخيار المخيرة، فبطل بالنوم الطويل.
وكذلك يجب أن يبطل بما يدل على الإعراض، كما يبطل خيار المخيرة. والله تعالى أعلم (١).