وأمر أن يأتي المسجد ليلًا فيتصدق بها، فدفعها إلى ابنه معن، فلما أصبح رآها في يده، فقال له: يا بُني لم أُردك بها، واختصما إلى رسول الله ﷺ فقال:"لك يا معن ما أخذت، ولك يا يزيد ما نويت"(١).
ولأنّ النسب يعلم باجتهاد، فلا يتوصل إلى حقيقته، فقد انتقل من اجتهاد إلى اجتهاد، فلا يفسخ الاجتهاد الأول.
وجه رواية ابن شجاع: أن النسب وإن كان مجتهدًا فيه، فقد صار في الشرع كالمقطوع به؛ بدلالة أن من نفى نسب رجل عن أبيه، حُدَّ، فقد انتقل من اجتهاد إلى يقين، فيفسخ الأول.
وجه قول أبي يوسف: أنه لا يجوز له الدفع مع العلم، فلا يجوز مع الاجتهاد، كعبده ومكاتبه.
فأما إذا دفع إلى هاشمي، وهو لا يعلم، ثم علم، جاز عند أبي حنيفة ومحمد على رواية الأصل.
وذكر أبو يوسف في جامع البرامكة عن أبي حنيفة: أنه لا يجوز، وهو قوله.
وجه رواية الأصل أن النسب يعلم من طريق الاجتهاد.
وجه الرواية الأخرى: أنه كالمقطوع به؛ بدلالة أن من قال لهاشمي: لست بهاشمي حُدَّ.
(١) ونص الحديث كما في البخاري: ( … أن معن بن يزيد قال: بايعت رسول الله ﷺ أنا وأبي وجدي .. وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إيّاك أردت، فخاصمته إلى رسول الله ﷺ فقال: "لكَ ما نويتَ يا يزيد، ولك ما أخذتَ يا معن") (١٤٢٢).