في حال الخطبة (١)، ولأن سماع الخطبة واجب، وما يمنع من الواجب لا يجوز فعله.
وقد اختلف أصحابنا المتأخرون: فيمن كان بعيدًا من الإمام لا يسمع الخطبة، فاختار له محمد بن سلمة السكوت، وقال نصير بن يحيى: يقرأ القرآن، وقال الحكم بن زهير: ينظر في الفقه.
وقد قال أصحابنا: يكره رَدُّ السلام في حال الخطبة؛ لأنه يتشاغل به عن سماعها، فهو كالكلام.
فإن قيل: رد السلام فرض، فلم قدَّم الاستماع الواجب عليه؟.
[قلنا: لأن] الاستماع [يفوت] ولا يستدرك في غير هذه الحالة وردّ السلام مستدرك؛ ولأن رَدَّ السلام يجب إذا كان السلام غير منهي عنه، والسلام في هذه الحالة منهي عنه، فلم يجب رَدُّه.
وقد قال أبو حنيفة: إذا ذكر الخطيب النبيَّ ﷺ استمعوا ولم يُصَلُّوا عليه؛ لأن الصلاة ليست بواجبة [عندنا]، فلا يشتغل بها عن استماع الواجب؛ ولأنها تستدرك في غير هذه الحالة، والسماع يفوت.
ولهذا المعنى قال أصحابنا: إن الطواف بمكة للغريب أفضل من الصلاة؛ لأنه يستدرك الصلاة في بلده، ويفوته الطواف.
وقال أبو يوسف: إذا صَلَّى الخطيب على النبي ﷺ، صَلَّى عليه الناس في نفوسهم؛ لأن ذلك لا يشغلهم عن سماع الخطبة.
(١) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (٤٠٥٦)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٨٤٦٨) عن مجاهد.