إقراره، وحكم به عليه، وإن جحد كُلّف المدّعي البينة على دعواه، فإن [أقام](١) عليها بينة قضي له بها، وإن لم يقم له على دعواه بينة استحلف المُدَّعَى عليه إن التمس المدعي يمين المدعى عليه، ولا يستحلف الحاكم المدعى عليه حتى يسأله المدعي استحلافه، فأما قبل ذلك فلا، وقد بَيَّنَّا أن [الدعوى] الصحيحة تجب بمسألة المطلوب عنها؛ لأن الغرض بالمنازعة معرفة ما يقوله؛ ولأن البينة ثبتت مع الإنكار، ويجوز أن يكونَ مُقِرًّا فلا تسمع البينة عليه.
ولأنا إذا جَوَّزْنَا أن يَقِرَّ فتنقطع الخصومة، وجب أن يبتدئ بمسألته، فإن أقر ألزمه القاضي إقراره بقوله تعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ [القيامة: ١٤]، يعني شاهدًا، ولأنه غير متهم على نفسه.
ومعنى قوله: ألزمه [الحاكم] إقراره، أي: يأخذه [به]، وقوله: وحكم عليه به، فإن ذلك يقف على طلب المدعي؛ لأنه حق له، ألا ترى أنه يجوز أن يعزل القاضي أو يموت فيجحد الخصم، فإذا حكم وأشهد على حكمه كان أوثق لِحَقّه.
وأما قوله: فإن جحد كلّف المدّعي البينة، فليس معناه: أنه يلزمه ذلك؛ لأن إقامة البينة من حقوقه، وموقوف على اختياره، وإنما يعني أنه يسأله [أَلَهُ] بينة أم لا؛ وذلك لأن من مذهب أبي حنيفة: أن المطلوب لا يستحلف إذا قال المدعي: لي بينة حاضرة.
وعلى قول أبي يوسف ومحمد: إذا كان الشهود في مجلس الحكم لم يستحلف الخصم، فلذلك يسأله الحاكم عن إقامة البينة.