ومنهم من قال: إنّ المدِّعِي: من إذا ترك الخصومة لم يُجبر عليها، والمدّعى عليه: من يجبر على الخصومة وإن تركها.
وذكر أبو الحسن: أن المدّعي عندنا: الذي كَلَّفه رسول الله ﷺ البينة، وهو من التمس بدعواه أخذ شيء من [يد] غيره، أو إثبات حق في ذمته، والمدعى عليه: من نفى ذلك عن نفسه، وهذا ليس بخبر عام؛ لأن صاحب اليد إذا قال في جواب الدعوى: ابتعت من الخارج، لم يلتمس أخذ شيء من يد غيره، فلا أُثْبِتُ حقًا في ذمته: وهو مدعٍ.
ومن أصحابنا من قال: المدعي: من ادّعى معنى حادثًا، وهذا [أيضًا] ليس بعام]؛ لأن المتنازعين في الشيء إذا ادعى كل واحد منهما ملكًا مطلقًا، أو ادعى ملك الأصل، فليس بمدّعٍ [لملك] حَادث.
وقال محمد في كتاب الدعوى: والمُدَّعَى عليه هو المُنْكِرُ.
واعُترض على هذا [الحدّ]، فقيل: مَنْ ادّعى دارًا في يد غيره وهو ينكر أن يكون لصاحب اليد، وصاحب اليد ينكر أن يكون له.
وهذا ليس بصحيح؛ لأن الخارج لا يحتاج في صحة دعواه إلى إنكار، وإنما ذلك في مضمون دعواه، وصاحب اليد لا بدّ له من الإنكار في صريح دعواه.
فإن قيل: المودَع إذا طولب بالوديعة فقال: رددتها، فليسَ بمُنْكِرٍ، وهو مُدَّعَى عليه، قيل له: هذا قد اعترف بالدعوى، وهو الإيداع، ثم ادعى الرد فهو مُدَّعٍ، وإنما جعلت حجته في الشرع يمينه؛ ولهذا تقبل على الإثبات (١).