الحاكم يسأل المُدّعى عليه عن القذف، فإن أقرّ أنه قذفه، قال له الحاكم: أقم البينة على صحة قذفك، فإن فعل، وإلا أقام عليه الحدّ.
فإن أحضر القاذف شهوده، وقد ضرب بعض الحد، سُمعت بيّنته، ودُرئ عنه ما بقي من الحدّ، ولم تبطل شهادته، ولم يلزمه اسم الفسق.
وإنما قلنا: إنه (١) يبتدئ بمسألة المدّعى عليه؛ لجواز أن يُقرّ فيستغنى بإقراره عن بينةٍ؛ ولأن البينة لا يثبت حكمها إلا بإنكاره، فوجب أن يسأل، فإن أنكره أقيمت عليه البينة.
فأما إذا أقرّ بالقذف، طولب بالبيّنة على صحته؛ لأن الحدّ إنما يجب عليه بعجزه عن إقامة البينة، فلذلك سأله الحاكم عن [إقامة] البّينة، فإذا عجز عنها حدّه؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ﴾ [النور: ٤]، فأما إذا ضرب بعض الحدّ، ثم أقام القاذف البينة، فإنها تسمع؛ لأنا لا نحكم بكذب القاذف، ألا ترى أن كذبه إنما ينفرد بكمال الحد، فما لم يوجد سمعت البينة [عليه] كالابتداء.
وإذا سمعت البيّنة، سقط ما بقي من حدّ القذف، كما يسقط الجميع لو ابتدأ بإقامة البيّنة.
قال: ولا تبطل شهادته، ولا يلزمه اسم الفسق؛ وذلك لأن ما دون الحدّ لا تبطل به الشهادة، كالتعزير.