للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يبيّن ذلك أن الله تعالى أمرنا بأفعال، ونهانا عن أفعال، فوجب علينا أن نفعل كل المأمور به، ووجب علينا أن ننتهي عن جميع ما نهى عنه، وعن كل شيء منه، فإن قال: والله لأسكنها الأبد، فهذا على أن يسكنها الأبد؛ لأنه عقد يمينه على وجود الفعل.

فإن قال: والله لأجالسنّ فلانًا الأبد، فجالسه حتى يعرف بمجالسته، يعني إلى الممات؛ وذلك لأن الإنسان لا يمكنه أن يجالس غيره أبدًا من غير مفارقة، فعلم أن المراد باليمين مداومة المجالسة [به] في الأوقات التي يجالس في مثلها من غير إعراض عن مجالسته.

فإن قال: والله لأكلمن فلانًا الأبد، قال: هذا على أن لا يمتنع من كلامه إذا التقيا؛ وذلك لأنه لا يقدر على مداومة الكلام أبدًا، فحملت اليمين على إبطال الكلام إذا تلاقيا.

فإن قال: والله لا أكلم فلانًا الأبد، قال: إذا كلمه حنث؛ لأنه عقد (١) على نفي الفعل، فحنث بوجود جزء منه، فإن عنى أن لا يكلمه الأبد دُيّن فيما بينه وبين الله تعالى، ولم يدين في القضاء؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه، إلا أنه غير الظاهر، فإن كانت نيته حين قال: لله عليّ أن أصوم الأبد، أن يصوم يومًا واحدًا من الأبد، أو حين قال: [والله] لا أصوم، قال: فهو على ما نوى، قال هشام: يعني فيما بينه وبين الله تعالى، وهذا على ما بينا أنه ترك الظاهر (٢).


(١) في أ (حنث).
(٢) انظر: الأصل ٢/ ٣٠٢، ٣٠٣؛ شرح مختصر الطحاوي ٧/ ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>