للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» رواه الشَّيخان، وهذا وأمثاله نحو: «ما طلعت عليه الشَّمس» كناياتٌ عبَّر بها عن الكثرة عرفًا، وظاهر الإطلاق يشعر بأنَّه يحصل هذا الأجر (١) المذكور لمن قال ذلك مئة مرَّةٍ، سواءٌ قالها متواليةً أو متفرِّقةً في مجالس، أو بعضها أوَّل النَّهار وبعضها آخره، لكنَّ الأفضل أن يأتي بها متواليةً في أوَّل النَّهار.

وهذه الفضائل الواردة في التَّسبيح ونحوه -كما قاله ابن بطَّالٍ وغيره- إنَّما هي لأهل الشَّرف في الدِّين والكمال؛ كالطَّهارة من الحرام والمعاصي العظام، فلا يظنُّ ظانٌّ أنَّ من أدمن الذِّكر، وأصرَّ على ما شاء من شهواته، وانتهك دين الله وحرماته أنَّه يلتحق بالمطهَّرين المقدَّسين، ويبلغ منازلهم بكلامٍ أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عملٌ صالحٌ (٢)، وفي «التِّرمذيِّ» -وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ- عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله : «لقيت إبراهيم ليلة أُسرِي بي فقال: يا محمَّد أقرئ أمَّتك منِّي السَّلام وأخبرهم أنَّ الجنَّة طيِّبة التربة، عذبة الماء، وأنَّها قيعان، وأنَّ غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر» والقيعان جمع قاعٍ، وهو المستوي من الأرض، والغراس: جمع غرسٍ وهو ما يُغرَس، والغرس إنَّما يصلح في التُّربة الطَّيِّبة، وينمو بالماء العذب، أي: أَعْلِمهم أنَّ هذه الكلمات تورِّث قائلها الجنَّة، وأنَّ السَّاعي في اكتسابها لا يضيع سعيه؛ لأنَّها المغرس الذي لا يتلف ما استُودِع فيه، قاله التُّوربشتيُّ، وقال الطِّيبيُّ: وههنا إشكالٌ لأنَّ هذا الحديث يدلُّ على أنَّ أرض الجنَّة خاليةٌ عن الأشجار والقصور، ويدلُّ قوله تعالى: ﴿جَنَّاتٍ (٣) تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] وقوله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣] على أنَّها غير خاليةٍ عنها؛ لأنَّها إنَّما سمِّيت جنَّةً؛ لأشجارها المتكاثفة المظلَّة بالتفاف أغصانها، وتركيب الجنَّة دائرٌ على معنى السَّتر، وأنَّها مخلوقةٌ معدَّةٌ.


(١) في (ع): «الأمر».
(٢) زيد في (د): «قال الشيخ الأبيُّ في «شرح مسلم» بعد نقله كلام ابن بطالٍ بقليل قال: وفيما قاله نظر، بل هي عامَّة لكل من قالها. انتهى».
(٣) زيد في (د): «﴿عَدْنٍ﴾».

<<  <  ج: ص:  >  >>