للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٤٣) (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾) خبرٌ سابقه إن أُوِّل بالسُّورة، أو القرآن (١) فإنَّه مشتملٌ عليه، أو خبرٌ محذوفٌ، أي: هذا المتلوُّ ذكر رحمة ربِّك (﴿عَبْدَهُ﴾) مفعول الرَّحمة أو الذِّكر، على أنَّ الرَّحمة فاعله على الاتِّساع (﴿زَكَرِيَّا﴾ (٢)) بدلٌ منه أو عطفُ بيانٍ له (﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا﴾) قال في «الكشَّاف»: لأنَّ الجهر والإخفاء عند الله سيَّان، فكان الإخفاء أولى لأنَّه أبعد من الرِّياء، وأدخل في الإخلاص. وعن الحسن: نداءً لا رياء فيه. قال في «فتوح الغيب»: فيكون الإخفاء ملزومًا للإخلاص الَّذي هو عدم الرِّياء، لأنَّ الإخفاء أبعد من الرِّياء، ولمَّا عبَّر عن عدم الرِّياء بالخفاء عُلِم أن لا اعتبار للظَّاهر، وأنَّ الأمر يدور على الإخلاص، حتَّى إنَّه لو نادى جهرًا بلا رياءٍ دخل فيه، أو نادى سرًّا بلا إخلاصٍ خرج منه، وقيل: إنَّما نادى خفيًّا لئلَّا يُلام على طلب الولد في إبَّان الكبر، أو لأنَّ (٣) ضعف الهرم أخفى صوته، واختُلِف في سنِّه؛ فقيل: ستُّون، وخمسٌ وستُّون، وسبعون، وخمسٌ وسبعون، وخمسٌ وثمانون، ثمَّ فسَّر النِّداء بقوله: (﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾) ضَعُفَ بَدَنِي، وإنَّما كنَّى عنه بقوله: ﴿وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ وخصَّ العظم بالذِّكر، لأنَّه كالأساس للبدن وكالعمود للبيت، وإذا وقع الخلل في الأساس (٤) وسقط العمود تداعى الخلل في البناء وسقط البيت، فالكناية مبنيَّةٌ على التَّشبيه، أو أنَّ العظم أصلب ما في الإنسان، فيلزم من وهنه وهن جميع الأعضاء بالطَّريق الأولى، فالكناية غير مسبوقةٍ بالتَّشبيه، قاله الطِّيبيُّ (﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم: ٢ - ٤]) شبَّه الشَّيب في بياضه وإنارته بشواظ النَّار وانتشاره، وفشوِّه في الشَّعر باشتعالها، ثمَّ أخرجه مخرج الاستعارة، ثمَّ أسند الاشتعال إلى الرَّأس الَّذي هو محلُّ الشَّيب مبالغةً، وجعله تمييزًا إيضاحًا للمقصود (إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧]) وسقط قوله: «﴿إِذْ نَادَى﴾ إلى آخر قوله: ﴿شَيْبًا﴾» لأبي ذرٍّ.


(١) في (د): «بالقرآن».
(٢) في (ل): «﴿زَكَرِيَاءُ﴾».
(٣) في غير (ب) و (س): «ولأنَّ».
(٤) في غير (د): «الأسِّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>