للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٤ م) (باب قَوْله) جلَّ وعلا: (﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً﴾) أي: أهلها (﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ الاية [الإسراء: ١٦]) واختُلِفَ في متعلَّق الأمر هنا؛ فعن ابن عبَّاسٍ وغيره: أنَّه (١) أمرْنا متنعِّميها (٢) بالطَّاعة، أي: على لسان رسولٍ بعثناه إليهم ففسقوا، وردَّه في «الكشَّاف» ردًّا شديدًا، وأنكره إنكارًا بليغًا في كلامٍ طويلٍ، حاصلُه: أنَّه حذف ما لا دليل عليه؛ وهو غير جائزٍ، وقدَّر «هو» متعلَّق الأمر (٣): الفسق، أي: أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجازٌ؛ لأنَّ حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون، فبقي (٤) أن يكون مجازًا، ووجه المجاز: أنَّه صبَّ عليهم النِّعمة صبًّا، فجعلوها ذريعةً إلى المعاصي واتِّباع الشَّهوات، فكأنَّهم مأمورون بذلك؛ لتسَبُّب إبلاءِ النِّعمة فيه، وإنَّما خوَّلهم إيَّاها ليشكروا، فآثروا الفسوق، فلمَّا فسقوا؛ حقَّ عليهم (٥) القول -وهي كلمة العذاب- فدمَّرهم، وأجاب في «البحر»: بأنَّ قوله: لأنَّ حذف ما لا دليل عليه غير جائزٍ: تعليلٌ لا يصحُّ فيما نحن بسبيله، بل ثمَّ ما يدلُّ على حذفه؛ لأنَّ حذف الشَّيء تارةً يكون لدلالة موافقِهِ عليه، ومنه ما مُثِّل به هو في قوله في جملةِ هذا المبحث (٦): أمرته فقام، وأمرته فقرأ، وتارةً يكون لدلالة خلافه أو ضدِّه أو نقيضه، فمِن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [الأنعام: ١٣] أي: ما سكن وما تحرَّك، و ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أي: والبرد، وتقول: أمرته فلم يُحسِنْ، فليس المعنى أمرته بعدم الإحسان فلم يحسن، بل المعنى أمرته بالإحسان فلم يحسن، وهذه الآية مِن هذا القبيل، يستدلُّ على حذف النَّقيض بإثبات نقيضه، ودلالة النَّقيض على النَّقيض؛ كدلالة النَّظير على النَّظير، وهذا الباب مع ما ذكره من


(١) «أنَّه»: ليس في (ص).
(٢) «متنعميها»: سقط من (د).
(٣) «الأمر»: ليس في (ص).
(٤) في (ص): «فنفى» وهو تصحيفٌ.
(٥) في غير (ص): «عليها».
(٦) في (د): «البحث».

<<  <  ج: ص:  >  >>