للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والجواب أنَّها كانت قيعانًا، ثمَّ إنَّ الله تعالى أوجد بفضله وسعة رحمته فيها أشجارًا وقصورًا على حسب أعمال العاملين لكلِّ عاملٍ ما يختصُّ به بحسب عمله، ثمَّ إنَّ الله تعالى لمَّا يسَّره لِمَا خُلِق له من العمل لينال به ذلك الثَّواب جعله كالغارس لتلك الأشجار على سبيل المجاز؛ إطلاقًا للسَّبب على المسبَّب، ولمَّا كان سبب إيجاد الله الأشجار عملُ العامل أسنَد الغراس إليه، والله أعلم بالصَّواب.

ولمَّا كان التَّسبيح مشروعًا في الختام ختم البخاريُّ رحمه الله تعالى كتابه بكتاب «التَّوحيد» والحمدُ بعد التَّسبيح آخر دعوى أهل الجنة، قال الله تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] قال القاضي: لعلَّ المعنى: أنَّهم إذا دخلوا الجنَّة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجَّدوه ونعتوه بنعوت الجلال، ثمَّ حيَّاهم الملائكة بالسَّلامة من الآفات، والفوز بأصناف الكرامات، فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام، قال في «فتوح الغيب»: ولعلَّ الظَّاهر أن يضاف السَّلام إلى الله ﷿ إكرامًا لأهل الجنَّة، وينصره قوله تعالى في سورة يس: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] أي: يسلِّم عليهم بغير واسطةٍ؛ مبالغةً في تعظيمهم وإكرامهم وذلك متمنَّاهم، وهذا يدلُّ على أنَّه يحصل للمؤمنين بعد نعيمهم في الجنَّة ثلاثة أنواعٍ من الكرامات (١): أوَّلها: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ وثانيها: ما يقولون عند مشاهدتها: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] وهي (٢) سطوع نور الجمال من (٣) وراء حجاب الجلال، وما أفخم شأن اقتران ﴿اللَّهُمَّ﴾ بـ ﴿سُبْحَانَكَ﴾ في هذا المقام؛ كأنَّهم لمَّا رأوا أشعَّة تلك الأنوار لم يتمالكوا ألَّا يرفعوا أصواتهم، وآخرها أجلّ منهما ولذلك ختموا الدُّعاء عند رؤيتها بـ ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وما هي إلَّا نعمة الرُّؤية التي كلُّ نعمةٍ دونها، فكأنَّ الكرامة الأولى (٤) كالتَّمهيد للثَّالثة، وما أشدَّ طباق هذا التَّأويل بما رويناه عن ابن ماجه عن جابرٍ عن النَّبيِّ : «بينا أهل الجنَّة في نعيمهم إذ سطع لهم نورٌ فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرَّبُّ قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السَّلام عليكم يا أهل الجنَّة» قال: وذلك


(١) في (ص) و (ع): «الكرامة».
(٢) في (د): «وهو».
(٣) «من»: ليس في (د).
(٤) في (ب) و (س): «الكرامات الأول».

<<  <  ج: ص:  >  >>