(٣٦) هذا (بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ) على صيغة المعلوم من «باب عَلِم يعلَم»(عَمَلُهُ) أي: من حَبْطِ عمله وهو ثوابه الموعود به (وَهُوَ لَا يَشْعُرُ) به، جملةٌ اسميَّةٌ وقعت حالًا، لا يُقَال: إنَّ ما قاله المؤلِّف يقوِّي مذهب الإحباطيَّة؛ لأنَّ مذهبهم إحباط الأعمال بالسَّيِّئات وإذهابها جملةً، فحكموا على العاصي بحكم الكافر؛ لأنَّ مُرَاد المؤلِّف إحباطُ ثواب ذلك العمل فقط لأنَّه لا يُثَاب إلَّا على ما أخلص فيه، وقال النَّوويُّ: المُرَاد بـ «الحبط»: نقصانُ الإيمان، وإبطال بعض العبادات لا الكفر. انتهى. ولفظة:«مِنْ» ساقطةٌ في رواية ابن عساكر، وهي مقدَّرةٌ عند سقوطها لأنَّ المعنى عليها، وهذا الباب وضعه المؤلِّف ردًّا على المرجئة القائلين: بأنَّ الإيمان هو التَّصديق بالقلب فقط، المُطلقين الإيمان الكامل مع وجود المعصية.
(وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) بن يزيد بن شريكٍ (التَّيْمِيُّ) تيم الرِّباب؛ بكسر الراء، الكوفيُّ، المُتوفَّى سنة اثنتين وتسعين:(مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذَّبًا) بفتح المُعجَمة، أي: يكذِّبني مَنْ رأى عملي مخالفًا لقولي، وإنَّما قال ذلك لأنَّه كان يَعِظُ، وفي روايةٍ للأربعة:«مكذِّبًا» بكسر الذَّال، وهي رواية الأكثر كما قاله الحافظ ابن حجرٍ؛ ومعناه: أنَّه مع وعظه للنَّاس لم يبلغ غاية العمل، وقد ذمَّ الله تعالى مَنْ أمر بالمعروف ونهى عن المُنْكر وقصَّر في العمل، فقال: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣]. وقال البيضاويُّ في آية ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ [البقرة: ٤٤]: إنَّها ناعيةٌ على من يَعِظُ غيرَه ولا يَعِظُ نفسَه سوءَ صنيعِه