والمبطلِ بسعي نفسِه واختيارِ نفسه، فكان يجبُ عليه أن يحمدَ نفسه؛ لأنَّه هو الَّذي حصَّلَ لنفسهِ الإيمان، وهو الَّذي أوصلَ نفسه إلى درجاتِ الجنَّة وخلَّصها من دركاتِ النِّيران، فلمَّا لم يحمدْ نفسَه البتَّة إنَّما حمدَ الله تعالى فقط علمنَا أنَّ الهادِي ليس إلَّا الله تعالى، وقوله تعالى:(﴿لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي﴾) أعطانِي الهدايةَ (﴿لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزمر: ٥٧]) من الَّذين يتَّقون الشِّرك.
قال الشَّيخ أبو منصورٍ رحمه الله تعالى: وهذَا الكافرُ أعرفُ بالهدايةِ من المعتزلةِ، وكذَا أولئك الكفرة الَّذين قالوا لأتباعِهم: ﴿لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢١] يقولون: لو وفَّقنا الله للهدايةِ وأعطانا الهدَى لدعونَاكم إليه، ولكن علمَ منَّا اختيارَ الضَّلالة والغوايةِ فخذَلنا ولم يوفِّقنا، والمعتزلةُ يقولون: بل هداهُم وأعطاهُم التَّوفيق لكنَّهم لم يهتدوا. والحاصل: أنَّ عند الله لطفًا من أُعطي ذلك اهتدَى وهو التَّوفيق والعصمة، ومَن لم يعطه ضلَّ وغَوى، وكان استيجابُه العذاب وتضييعُه الحقَّ بعدما تمكَّن من تحصيلهِ لذلك. والحاصلُ من مذهبِ أهل السُّنَّة: أنَّ الله تعالى (١) أقدَرَ العبادَ على اكتسابِ ما أرادَ منهم من إيمانٍ وكفْرٍ، وأنَّ ذلك ليسَ بخلق للعبادِ، كما زعمَتْ القدريَّة.
٦٦٢٠ - وبه قال:(حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) محمَّد بن الفضلِ السَّدوسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم (هُوَ ابْنُ حَازِمٍ) بالحاء المهملة والزاي (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو بن عبد الله السَّبيعيِّ (عَنِ البَرَاءِ