للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استواء الزَّرع ونَجَازِ أمرِه كلِّه من الحصد والتَّذرية والجمع إلَّا كلمح (١) البصر، وكأنَّ كلَّ حبَّةٍ منه مثلُ الجبل، وفيه: أنَّ الله تعالى أغنى أهل الجنَّة فيها عن تعب الدُّنيا ونصبها (فَيَقُولُ اللهُ تَعالَى: دُونَكَ) بالنَّصب على الإغراء، أي: خذه (يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ) أي: فإنَّ الشَّأن (لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ) أي: ذلك الرَّجل الذي من أهل البادية: (وَاللهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ) أي: قريشًا والأنصار (أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ) أي: أهل (٢) البادية (فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ) فإن قلت: ما وجه إدخال هذا الحديث هنا؟ أجاب ابن المنيِّر (٣): للتَّنبيه (٤) على أنَّ أحاديث المنع من الكراء إنَّما جاءت على النَّدب لا على الإيجاب؛ لأنَّ العادة فيما يحرص عليه ابن آدم أشدَّ الحرص ألَّا يُمنَع من الاستمتاع به، وبقاء حرص هذا الحريص من أهل الجنَّة على الزَّرع، وطلب الانتفاع به حتَّى في الجنَّة دليلٌ على أنَّه مات على ذلك؛ لأنَّ المرء يموت على ما عاش عليه، ويُبعَث على ما مات عليه (٥)، فدلَّ ذلك على أنَّ آخر عهدهم من الدُّنيا جواز الانتفاع بالأرض واستثمارها (٦)، ولو كان كراؤها مُحرَّمًا عليه لفطم نفسه عن الحرص عليها حتَّى لا يثبت هذا القدر في ذهنه هذا الثُّبوت. انتهى.

وهذا الحديث هو لفظ الإسناد الثَّاني، ومتن السَّند الأوَّل يأتي في «التَّوحيد» [خ¦٧٥١٩] إن شاء الله تعالى.

(٢١) (باب مَا جَاءَ فِي الغَرْسِ).


(١) في (د ١) و (ص) و (م): «كلمحة».
(٢) في (د): «أصحاب».
(٣) زيد في (ب): «أنَّه».
(٤) في (د) و (ص) و (م): «التَّنبيه».
(٥) قوله: «على ذلك؛ لأنَّ المرء … على ما مات عليه»: ليس في (د).
(٦) في (د) و (م): «واستئجارها».

<<  <  ج: ص:  >  >>