كان ذلك من طريق النَّظر، وأنَّ القولَ فيه قولُ الأب والفعل فعله؛ لأنَّهم نوَّموا الصِّبيان جياعًا إيثارًا لقضاء حقِّ رسول الله ﷺ في إجابة دعوته، والقيام بحقِّ ضيفه (فَهَيَّأَتْ) زوجة الأنصاريِّ (طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ) بالمُوحَّدة أوقدت (سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا) بغير عَشَاءٍ (ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا، فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا) الأنصاريُّ وزوجته (يُرِيَانِهِ) بضمِّ أوَّله (أَنَّهُمَا) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «كأنَّهما»(يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ) أي: بغير عشاءٍ، وأَكَلَ الضَّيفُ (فَلَمَّا أَصْبَحَ؛ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ) جواب «لمَّا» قوله: «غدا» ضُمِّن فيه معنى الإقبال، أي: لمَّا دخل الصَّباح أقبل على رسول الله ﷺ(فَقَالَ) له ﷺ: (ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ -أَوْ) قال: (عَجِبَ- مِنْ فَعَالِكُمَا) الحسنة، وفاءُ «فَعَالكما» مفتوحةٌ، ونسبة الضَّحك والتَّعجُّب (١) إلى الباري جلَّ وعلا مجازيَّةٌ، والمراد بهما: الرِّضا بصنيعهما (فأَنْزَلَ اللهُ)﷿(﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾) قال في «النِّهاية»: الخصاصة: الجوع والضَّعف، وأصلها: الفقر والحاجة إلى الشَّيء، والجملة في موضع الحال، و «لو» بمعنى الفَرَض، أي: ويؤثرون على أنفسهم مفروضةً خصاصتُهم (﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾) أضافه إلى النَّفس؛ لأنَّه غريزةٌ فيها، والشُّحُّ اللُّؤم وهو غريزةٌ، والبخل: المنعُ نفسُه، فهو أعمُّ؛ لأنه قد يوجد البخل ولا شحَّ ثمَّة ولا ينعكس، والمعنى: ومن غلب ما أمرتْهُ به نفسه وخالف هواها بمعونة الله ﷿ وتوفيقه (﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩]) الظَّافرون بما أرادوا، وسقط لأبي ذرٍّ قوله «﴿وَمَن يُوقَ … ﴾» إلى آخره.
وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا [خ¦٤٨٨٩]، والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ في «التَّفسير»، ومسلمٌ في «الأطعمة».
(١١)(باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ) في الأنصار: (اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا) بفتح الواو (عَنْ مُسِيئِهِمْ) وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «باب» فما بعده مرفوعٌ.