للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأبهم المبشَّر به للتَّنبيه على تعظيمه وتفخيمه، وسقط لغير أبي ذَرٍّ لفظ «وأبشروا» (وَاسْتَعِينُوا) من الإعانة (بِالغَدْوَةِ) سير أوَّل النَّهار إلى الزَّوال، أو ما بين صلاة الغداة وطلوع الشَّمس، كالغداة والغدية (وَالرَّوْحَةِ): اسمٌ للوقت من زوال الشَّمس إلى اللَّيل، وضبطهما الحافظ ابن حجرٍ -كالزَّركشيِّ والكِرمانيِّ- بفتح أوَّلهما، وكذا البرماويُّ، وهو الذي في فرع «اليونينيَّة»، وضبطه العينيُّ بضمِّ أوَّل الغُدوة وفتح أوَّل الثَّاني، قلت: وكذا ضبطه ابن الأثير، وعبارته: «والغُدوة» بالضَّمِّ: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشَّمس (١)، ثمَّ عطف على السَّابق قوله: (وَشَيْءٍ) أي: واستعينوا بشيءٍ (مِنَ الدُّلْجَةِ) بضمِّ الدَّال المُهمَلة وإسكان اللَّام؛ سير آخر اللَّيل أو اللَّيل كلِّه، ومن ثمَّ عبَّر بالتَّبعيض، ولأنَّ عمل اللَّيل أشقُّ (٢) من عمل النَّهار، وفي هذا استعارة «الغدوة» و «الرَّوحة» و «شيءٍ من الدُّلجة» لأوقات النَّشاط وفراغ القلب للطَّاعة، فإنَّ هذه الأوقات أطيبُ أوقات المسافر، فكأنَّه خاطب مسافرًا إلى مقصده، فنبَّهه على أوقات نشاطه؛ لأنَّ المسافر إذا سافر اللَّيل والنَّهار جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرَّى السَّير في هذه الأوقات المنشطة؛ أمكنته المُداوَمَة من غير مشقَّةٍ، وحسَّن هذه الاستعارة: أنَّ الدُّنيا في الحقيقة دار نقلةٍ إلى الآخرة، وأنَّ هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة.

ورواة هذا الحديث ما بين مدنيٍّ وبصريٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة، وأخرج المؤلِّف طرفًا منه في «الرِّقاق» [خ¦٦٤٦٣]، وأخرجه النَّسائيُّ.

ولمَّا كانت الصَّلوات الخمس أفضل طاعات البدن، وهي تُقَام في هذه الأوقات الثَّلاث، فالصُّبح في الغدوة، والظُّهر والعصر في الرَّوحة، والعشاءان في جزء الدُّلجة عند من يقول: إنَّها سير اللَّيل كلِّه؛ عقَّب المصنِّف هذا الباب بذكر «الصَّلاة من الإيمان» فقال:

(٣٠) هذا (بابٌ) بالتَّنوين (الصَّلَاةُ مِنَ الإِيمَانِ) أي: شعبةٌ من شُعَبِهِ، مبتدأٌ وخبرٌ، ويجوز إضافة


(١) في (م): «التالي».
(٢) في (ب) و (س): «أشرف».

<<  <  ج: ص:  >  >>