بفتح الميم والمثلَّثة (الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ) أي: العائد في هبته (كَالكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ) زاد مسلمٌ من رواية أبي جعفر محمَّد بن عليٍّ الباقر عنه: «فيأكله»، وله في رواية بُكَيْر:«إنَّما مَثَل الَّذي يتصدَّق بصدقة، ثمَّ يعود في صدقته، كمَثَل الكلب يقيء ثمَّ يأكل قَيْئَه»، والمعنى كما قال البيضاويُّ: لا ينبغي لنا -معشر المؤمنين- أن نتَّصف بصفةٍ ذميمةٍ يشابهنا فيها أخسُّ الحيوانات في أخسِّ أحوالها، قال في «الفتح»: ولعلَّ هذا أبلغ في الزَّجر عن ذلك، وأدلُّ على التَّحريم، ممَّا لو قال مثلًا: لا تعودوا في الهبة، قال النَّوويُّ: هذا المَثَل ظاهر في تحريم الرُّجوع في الهبة والصَّدقة بعد إقباضهما، وهو محمول على هبة الأجنبيِّ لا ما وهب لولده وولد ولده كما صَرَّح به في حديث النُّعْمان، وهذا مذهب الشَّافعيِّ ومالك، وقال الحنفيَّة: يكره الرُّجوع فيها لحديث الباب، ولا يحرم، لأنَّ فعل الكلب يوصف بالقُبح لا بالحُرمة، فيجوز الرُّجوع فيما يهبه لأجنبيٍّ بتراضيهما أو بحكم حاكمٍ، لقوله ﵊:«الواهب أحقُّ بهبته ما لم يُثَبْ منها» أي: ما لم يُعَوَّضْ عنها.
٢٦٢٣ - وبه قال:(حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ) بفتح القاف والزَّاي، المكيُّ قال:(حَدَّثَنَا مَالِكٌ) الإمامُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ) أَسْلَم، مولى عمرَ بن الخطَّاب، أنَّه قال:(سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ﵁ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ) أي: تصدَّقت به، ووهبته بأن يقاتَل عليه (فِي سَبِيلِ اللهِ) واسمه: الورد، وكان للنَّبيِّ ﷺ، أعطاه له تميم الدَّاري فأعطاه عمر (فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ) بتقصيره في خدمته ومؤونته قال عمر: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ) نهيٌ للتَّنزيه (وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ) قال في «الفتح»: ويُستفاد منه: أنَّه لو وجده مثلًا يُباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النَّهي (فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) الفاء في «فإنَّ العائد» للتَّعليل، أي: كما يقبح أن يقيء ثمَّ يأكل، كذلك يقبح أن يتصدّق بشيء، ثمَّ يجرُّه إلى نفسه بوجه من الوجوه.