للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«إنِّي راكِبٌ غدًا إلى يهُود فلَا تبدؤُوهُم بالسَّلامِ» وقال قومٌ: يجوزُ ابتداؤهم به لِما عند الطَّبريِّ من طريق ابن عُيينة، قال: يجوزُ ابتداء الكافر بالسَّلام لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [الممتحنة: ٨] وقول إبراهيم لأبيهِ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾ [مريم: ٤٧] والمعتمد الأوَّل وأنَّ النَّهي للتَّحريم.

وأُجيب بأنَّه (١) ليس المراد بسلامِ إبراهيم على أبيهِ التَّحيَّة بل المتارَكة والمباعدةِ. وقال ابنُ كثيرٍ: هو كما قال الله تعالى في صفة المؤمنين: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] فمعنى قولِ إبراهيم لأبيهِ (٢): ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾ أي: أمانٌ (٣) فلا ينالكَ منِّي مكروهٌ ولا أذًى، وذلك لحرمةِ الأبوَّة. انتهى.

لكن (٤) المراد منع ابتدائهم بالسَّلامِ المشروع، فلو سلَّم عليهم بلفظٍ يقتضِي خروجهم عنه كأنَّه يقول: السَّلام علينا وعلى عبادِ الله الصَّالحين فسائغٌ، كما كتبَ النَّبيُّ إلى هرقل: سلامٌ على من اتَّبع الهدى، ونقل ابن العربيِّ عن مالكٍ إذا ابتدأ شخصًا بالسَّلام وهو يظنُّه مسلمًا فبان كافرًا، قال ابن عمر: يَستردُّ منه سلامه، وقال مالكٌ: لا. قال ابن العربيِّ: لأنَّ الاستردادَ حينئذٍ لا فائدةَ له؛ لأنَّه لم يحصلْ له منه شيءٌ؛ لكونه قصد السَّلام على المسلمِ، وقال غيره: له فائدةٌ وهي إعلامُ الكافر بأنَّه ليس أهلًا للابتداءِ بالسَّلام.

وحديثُ الباب سبق في «الأدبِ» [خ¦٦٢٠٧] وغيره [خ¦٥٦٦٣].

(٢١) (بابُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا) اكتسبهُ (وَمَن لَمْ يَرُدَّ سَلَامَهُ) وهو مذهبُ الجمهور. نعم، إن خاف ترتُّب مفسدةٍ في دينٍ أو دنيا إن لم يسلِّم سلَّم، كذا قال النَّوويُّ. قال (٥) ابنُ


(١) في (ع): «بل».
(٢) في (ص): «قوله».
(٣) في (ص): «أما أنا».
(٤) في (د): «ولكن».
(٥) في (د): «وزاد».

<<  <  ج: ص:  >  >>