للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وردَّ على الخطيب: «ومن عصاهما فقد غوى». وأمره بالإفرادِ إيماء إلى أنَّ المعتبر هنا هو المجموع المركَّب من المحبَّتين لا كلُّ واحدةٍ فإنَّها وحدَها ضائعةٌ لاغيةٌ، وأمرَ الخطيبَ بالإفرادِ إشعارًا بأن كلَّ واحدٍ من العصيانين يستقلُّ باستلزامِ الغِواية، فإن قولَه: ومَن عَصى الله ورسولَه، من حيث إِنَّ العطفَ في تقدير التَّكرير، والأصلُ فيه استقلال كلٍّ من المعطوفِ والمعطوف عليه في الحكمِ في قوَّة قولنَا: ومَن عصَى الله فقد غَوى، ومَن عصى الرَّسول فقد غَوى.

وقد سبق شيءٌ من ذلك عند ذكر الحديث في «باب الإيمان» [خ¦١٦] والله المستعان.

(٤٣) (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ إِلَى قولهِ: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: ١١]) وسقط قوله: «﴿عَسَى﴾ … » إلى آخره لأبي ذرٍّ، وقال بعد ﴿مِّن قَوْمٍ﴾: «الآية». نهى (١) عن السُّخرية؛ وهي أن لا ينظر الإنسانُ إلى أخيه المسلمِ بعين الإجلال، ولا يلتفتَ إليه ويسقطَه عن درجتهِ، والقَوْم الرِّجال خاصَّةً؛ لأنَّهم القُوَّام بأمور النِّساء، وهو في الأصل جمع قائمٍ، كصُوَّم وزُوَّر في جمع: صَائم وزَائر، لكن فَعْلٌ ليس من أبنية التَّكسير إلَّا عند الأخفش نحو رَكْب وصَحْب، واختصاصُ القوم بالرِّجال صريحٌ في الآية؛ إذ لو كانت النِّساء داخلةً في قوم لم يقل: ولا نساءٌ، وحقَّق ذلك زهير في قولهِ:

وَمَا أَدْرِي وَلَسْتُ إِخَالُ أَدْرِي … أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ

فاختصاص القوم بالرِّجال في الآية من عطفِ ﴿وَلَا نِسَاء﴾ على ﴿قَوْمٍ﴾ وفي الشِّعر من جعل أحدِ المتساويين يلي الهمزة (٢) والآخر يلي أمْ، وتنكيرُ القومِ والنِّساء يحتملُ معنيين أنْ يُراد لا يسخرْ بعضُ المؤمنين والمؤمنات من بعض، وأن يقصدَ إفادة الشِّياع، وأن تصير كلُّ جماعةٍ منهم منهيَّةً عن السُّخرية.


(١) في (د): «ينهى».
(٢) في (د): «همزة».

<<  <  ج: ص:  >  >>