للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صحيحٍ مرفوعٍ غير حديثه هذا (١)، فإن ثبت رجع إلى حديث ابن مسعودٍ يعني: أنَّ الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتًا، فيحتمل أن يكون صوت السَّماء، أو الملَك الآتي بالوحي، أو صوت أجنحة الملائكة، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصًّا في المسألة، أو أنَّ الرَّاوي أراد فينادي نداءً، فعبَّر عنه بقوله: بصوتٍ، قال في «الفتح»: وهذا يلزم منه أنَّ الله لم يُسمِع أحدًا من ملائكته ولا رسله كلامه بل ألهمهم إيَّاه، وحاصل الاحتجاج للنَّفي الرُّجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين؛ لأنَّها التي عُهِد أنَّها ذات مخارج، ولا يخفى ما فيه إذ الصَّوت قد يكون من غير مخارج؛ كما أنَّ الرُّؤية قد تكون من غير اتِّصال أشعَّةٍ كما تقرَّر، سلَّمنا لكن نمنع القياس المذكور، وصفة الخالق لا تُقاس على صفة المخلوقين، وإذا ثبت ذكر الصَّوت بهذه الأحاديث الصَّحيحة وجب الإيمان به ثَمَّ التَّفويض، وأمَّا (٢) التَّأويل وقوله: (يَسْمَعُهُ) أي: الصَّوت (مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ) فيه خرق العادة؛ إذ في سائر الأصوات التَّفاوتُ ظاهرٌ بين القريب والبعيد، وليُعلَم أنَّ المسموع كلام الله كما أنَّ موسى لمَّا كلَّمه الله كان يسمعه من جميع الجهات، ومقول قوله تعالى: (أَنَا المَلِكُ) ذو الملك (أَنَا الدَّيَّانُ) لا مالك إلَّا أنا ولا مُجازيَ إلَّا أنا، وهو من حصر المبتدأ (٣) في الخبر، وقال الحَليميُّ: هو مأخوذٌ من قوله: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] وهو المحاسب المجازي لا يضيع عمل عاملٍ، وقال في «الكواكب»: واختار هذا اللَّفظ؛ لأنَّ فيه إشارةً إلى الصِّفات السَّبعة -الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسَّمع والبصر والكلام- ليمكن المجازاة على الكلِّيَّات والجزئيَّات قولًا وفعلًا.


(١) «هذا»: مثبتٌ من (د).
(٢) هكذا في الأصول، ولعل الصواب: أو بتأويل.
(٣) في (ع): «الابتداء».

<<  <  ج: ص:  >  >>