على ذلك (فَقَالَ) له (رَسُولُ اللهِ ﷺ: دَعْهُ) أي: اتركه على حيائه (فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ) لأنَّه يمنع صاحبَه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان، فسُمِّيَ إيمانًا كما يُسمَّى الشَّيء باسم ما قام مقامه، قاله ابن قتيبة، و «مِن»: تبعيضيَّةٌ كقوله في الحديث السَّابق: «الحياءُ شعبةٌ من الإيمان»[خ¦٩] لا يُقَال: إذا كان الحياء بعض الإيمان فينتفي الإيمان بانتفائه؛ لأنَّ الحياء من مكمِّلات الإيمان، ونفيُ الكمال لا يستلزم نفيَ الحقيقة، والظَّاهر: أنَّ الواعظ كان شاكًّا، بل كان مُنْكِرًا؛ ولذا وقع التَّأكيد بـ «إنَّ»، ويجوز أن يكون من جهة أنَّ القصَّة في نفسها ممَّا يجب أن يُهتمَّ به ويُؤكَّد عليه، وإن لم يكن ثَمَّةَ إنكارٌ أو شَكٌّ.
ورجال هذا الحديث كلُّهم مدنيُّون إلَّا عبد الله (١)، وأخرجه البخاريُّ أيضًا في «البرِّ والصِّلة»[خ¦٦١١٨]، ومسلمٌ، وأبو داودَ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.
(١٧) هذا (بابٌ) بالتَّنوين والإضافة، كما في فرع «اليونينيَّة»، قال الحافظ ابن حجرٍ: والتَّقدير: بابٌ في تفسير قوله، وبابُ تفسيرِ قولِهِ، وعُورِضَ: بأنَّ المصنِّف لم يَضَعِ الباب لتفسير الآية، بل غرضُه بيانُ أمور الإيمان، وبيان أنَّ الأعمال من الإيمان، مستدلًّا على ذلك بالآية والحديث، فـ «باب» بمفرده لا يستحقُّ إعرابًا لأنَّه كتعديد الأسماء من غير تركيبٍ، والإعراب لا يكون إلَّا بعد العقد والتَّركيب (﴿فَإِن تَابُواْ﴾) أي: المشركون عن شركهم بالإيمان (﴿وَأَقَامُواْ﴾)