للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لغضبي، وكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم (١)، وقال مالك بن دينارٍ: أوحى الله تعالى إلى ملَكٍ من الملائكة أنِ اقلِب مدينة كذا وكذا على أهلها، قال: يا ربُّ؛ إنَّ فيهم عبدك فلانًا، ولم يعصكِ طرفة عينٍ، فقال: اقلبها عليه وعليهم؛ فإنَّ وجهه لم يتمعَّر فيَّ ساعةً قطُّ، ورواه الطَّبرانيُّ وغيره من حديث جابرٍ مرفوعًا، والمحفوظ -كما قال البيهقيُّ- ما ذُكِر، واعلم: أنَّه قد تقوم كثرة رؤية المُنْكَرات مقام ارتكابها في سلب القلوب نور التَّمييز والإنكار؛ لأنَّ المنكراتِ إذا كثُر (٢) على القلب ورودُها، وتكرَّر في العين شهودها؛ ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا إلى أن يراها الإنسان، فلا يخطر بباله أنَّها منكَراتٌ، ولا يمرُّ بفكره أنَّها معاصٍ؛ لما أحدث تكرارها من تألُّف القلوب (٣) بها، وفي «القوت» لأبي طالب المكِّيِّ عن بعضهم: أنَّه مرَّ يومًا في السُّوق، فرأى بدعةً، فبال الدَّمَ من شدَّة إنكاره لها بقلبه، وتغيَّر مزاجه لرؤيتها، فلمَّا كان اليوم الثَّاني؛ مرَّ فرآها، فبال دمًا صافيًا، فلمَّا كان اليوم الثَّالث؛ مرَّ فرآها، فبال بوله المعتاد؛ لأنَّ حدَّة الإنكار التي أثَّرت في بدنه ذلك الأثر ذهبت، فعاد المزاج إلى حاله الأوَّل، وصارت البدعة كأنَّها مألوفةٌ عنده معروفة، وهذا أمرٌ مستقِرٌّ (٤) لا يمكن جحوده، والله تعالى أعلم.

وحديث الباب أخرجه مسلمٌ.

(٢٠) (باب قَوْلِ النَّبِيِّ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ) : (إِنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ) بلام التَّأكيد، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: «سيِّدٌ» بإسقاطها (وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ).


(١) في غير (د): «يواكلوهم ويشاربوهم».
(٢) في (ع): «كثُرتْ».
(٣) في (د): «القلب».
(٤) في (د): «مستقرأٌ».

<<  <  ج: ص:  >  >>