للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التحتية وسكون الكاف (فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ) أي: من طبعهِ وعلى وفق رضاه (فَلْيَسْتَعِذْ) أي: بالله (مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) نصب بـ «لن»، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «لا تضره».

قال الدَّاوديُّ: يريد ما كان من الشَّيطان، وأمَّا ما كان من خيرٍ أو شرٍّ فهو واقعٌ لا محالة، كرؤيا النَّبيِّ البقرَ والسَّيفَ. قال: وقوله: «ولا يذكرها لأحدٍ» يدلُّ على أنَّها إن ذكرتْ فربما أضرَّت.

فإن قلت: قد مرَّ أنَّ الرُّؤيا قد تكون منذِرةً ومنبِّهة للمرءِ على استعداد البلاءِ قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده؛ لئلَّا يقعَ على غِرَّة، فإذا وقعَ على مقدمة وتوطين كان أَقوى للنَّفس، وأبعد لها من أذى البغتةِ، فما وجه كتمانها؟ أُجيب بأنَّه إذا أخبر بالرُّؤيا المكروهةِ يسوء (١) حالُه؛ لأنَّه لم يأمن أن تفسَّر له بالمكروه، فيستعجلُ الهمَّ ويتعذَّب بها ويترقَّب وقوعَ المكروه، فيسوءُ حاله ويغلبُ عليه اليأس من الخلاصِ من شرِّها، ويجعلُ ذلك نصب عينيهِ، وقد كان داواه من هذا البلاء الَّذي عجَّله لنفسهِ بما أمرهُ به من كتمانهِ (٢) والتَّعوُّذ بالله من شرِّها، وإذا لم تفسَّر له بالمكروهِ بقي بين الطَّمع والرَّجاء فلا يجزع؛ لأنَّها من قبلِ الشَّيطان أو لأنَّ لها تأويلًا آخر محبوبًا، فأرادَ أن لا تتعذَّب أمَّته بانتظارهم خروجهَا بالمكروهِ، فلو أخبر بذلك كلّه لم ينفكّ (٣) دهره دائمًا من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره، وهذه حكمةٌ بالغةٌ، فجزاه الله عنَّا ما هو أهله.

والحديث سبق في «باب الرُّؤيا من الله» [خ¦٦٩٨٥].

(٤٧) (باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ) في العبارة؛ إذ المدار على إصابة الصَّواب، فحديث: «الرُّؤيا لأوَّل عابرٍ» المرويِّ عن أنسٍ مرفوعًا معناه: إذا كان العابر الأوَّل عالمًا فعبَّر


(١) في (ص) و (د): «فيسوءه».
(٢) في (ب) و (س): «كتمانها».
(٣) قوله: «لم ينفك» زيادة من التوضيح (٣٢/ ٢٥٣) لا بدَّ منها، وأصل الكلام عند ابن بطال (٩/ ٥٥٨)، وقد نبَّه العلَّامة قطة رحمه الله تعالى إلى ركاكة العبارة وسقمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>