٥٨٦٨ - وبه قال:(حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ بالجمع (يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) بضم الموحدة مصغَّرًا، الحافظ المخزوميُّ مولاهم المصريُّ، ونسبه لجدِّه لشهرته به، واسم أبيه عبد الله قال:(حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعد (عَنْ يُونُسَ) بن يزيد الأيليِّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) ولأبي ذرٍّ: «أَخْبرني» بالإفراد فيهما (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ﵁: أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ) من فضَّة (يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَاتَمَهُ) لمَّا رآهم اتخذوا خواتيم للزِّينة، أو لكونهم شاركوه في ذلك (١)، لكنَّ المعروف أنَّ الخاتم الَّذي طرحَه إنَّما كان خاتم الذَّهب، فقال عياضٌ وتبعه النَّوويُّ: إنَّ جميعَ أهل الحديث قالوا: إنَّ قوله: «من ورقٍ» وهمٌ من ابن شهاب. وقال الكِرمانيُّ: لا يجوز توهيم الرَّاوي إذا أمكن الجمعُ، وليس في الحديث أنَّ الخاتم المطروح كان من ورِق بل هو مطلقٌ، فيحملُ على خاتم الذَّهب، أو على ما نُقِشَ عليه نَقْشُ خاتمه الَّذي اتَّخذه ليختمَ به كُتبَه إلى الملوك؛ لئلَّا تفوتَ مصلحةُ نقشِ اسمهِ بوقوعِ الاشتراك ويحصلُ الخللُ، فيكون طَرْحُه له غضبًا ممَّن تشبَّه به في ذلك النَّقش (فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ) الَّتي نقشوها على نقشهِ، وحينئذٍ عاد ﷺ فلبس خاتم الفضَّة واستمرَّ إلى أن ماتَ، فَلَبِسَه سنة. قال في «الروضة» كأصلها: ولو اتَّخذ خواتم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد، جازَ على المذهبِ، وفيه -كما قال الأذرعيُّ وغيره- رمزٌ إلى منع لبسه أكثر من خاتم جملةً، وهو ما ذكره المحبُّ الطبريُّ تفقُّهًا، وعلَّله بأنَّ استعمال الفضَّة حرامٌ إلَّا ما وردت الرُّخصة به، ولم ترد إلَّا في خاتمٍ واحد. قال الأذرعيُّ: وهذا ينافيه قول الدَّارميِّ: ويكرهُ للرَّجل لُبْس فوق خاتمين. وقولُ الخوارزميِّ: يجوز للرَّجل لبس زوج خاتم في يده، وفرد في كلِّ يدٍ، وزوج في يدٍ وفردٍ في أخرى، وأن يلبس زوجين في كلِّ يد، قال الصَّيدلانيُّ: لا يجوزُ إلَّا للنِّساء. قال: وعلى قياسهِ لو تختَّم في غيرِ الخنصر ففي حُكمه وجهان. قلتُ: أصحُّهما التَّحريم للنَّهي الصَّحيح عنه، ولما فيه من التَّشبُّه بالنِّساء. انتهى.