للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكير والطِّيب. انتهى. وهذا تشبيهٌ حسنٌ لأنَّ الكِير بشدَّة نفخه ينفي عن النَّار السُّخام والدُّخان والرَّماد حتَّى لا يبقى إلَّا خالصُ الجمر، وهذا إن أُريد بالكير المِنفخ الذي يُنفَخ به النَّار، وإن أُريد به الموضع فيكون المعنى: أنَّ ذلك الموضع لشدَّة حرارته ينزع خَبَثَ الحديد والفضَّة والذَّهب ويُخرِج خلاصة ذلك، والمدينة كذلك تنفي شِرَار النَّاس بالحمَّى والوَصَب وشدَّة العيش، وضِيق الحال التي تخلِّص النَّفسَ من الاسترسال في الشَّهوات، وتطهِّر خيارهم وتزكِّيهم، وليس الوصف عامًّا لها في جميع الأزمنة، بل هو خاصٌّ بزمن النَّبيِّ لأنَّه لم يكن يخرج (١) عنها رغبةً في عدم الإقامة معه إلَّا من لا خير فيه، وقد خرج منها بعده جماعةٌ من خيار الصَّحابة وقطنوا غيرها وماتوا خارجًا عنها؛ كابن مسعودٍ وأبي موسى وعليٍّ وأبي ذرٍّ وعمَّارٍ وحذيفة وعبادة بن الصَّامت وأبي عبيدة ومعاذٍ وأبي الدَّرداء وغيرهم، فدلَّ على أنَّ ذلك خاصٌّ بزمنه بالقيد المذكور (٢).

١٨٨٤ - وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ) الأنصاريِّ الصَّحابيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ) من الزِّيادة الخطميِّ الأنصاريِّ الصَّحابيِّ، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ) ولأبي ذرٍّ: «رسول الله» ( إِلَى) غزوة (أُحُدٍ) وكانت سنة ثلاثٍ من الهجرة (رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) من الطَّريق، وهم عبد الله بن أبيٍّ ومن تبعه (فَقَالَتْ فِرْقَةٌ) من المسلمين: (نَقْتُلُهُمْ) أي: نقتل الرَّاجعين (وَقَالَتْ فِرْقَةٌ) منهم: (لَا نَقْتُلُهُمْ) لأنَّهم مسلمون (فَنَزَلَتْ) لمَّا اختلفوا: (﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨])


(١) في (د): «خرج».
(٢) قوله: «وليس الوصف عامًّا لها في جميع الأزمنة … بالقيد المذكور» ليس في (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>