وفي حديث إسماعيل بن أميَّة عند (١) عبد الرَّزَّاق مرفوعًا: «ثلاثٌ لا يسلمُ منها أحدٌ: الطِّيرةُ، والظَّنُّ والحسدُ» قيل: فما المخرجُ منهنَّ يا رسول الله؟ قال:«إذا تطيَّرت فلا ترجعْ، وإذا ظننتَ فلا تحقِّق، وإذا حسدتَ فلا تبغِ».
(وَلَا تَدَابَرُوا) بحذف إحدى التاءين للتَّخفيف، أي: لا تهاجروا فيُولِّي كلَّ واحدٍ منكما دُبرَهُ لصاحبهِ حين يراه؛ لأنَّ من أبغضَ أعرضَ، ومن أعرض ولَّى دُبره بخلاف من أحبَّ (وَلَا تَبَاغَضُوا) بحذف إحدى التاءين، أي: لا تتعاطوا أسبابَ البغض. نعم، إذا كان البغض لله ﷿ وجب (وَكُونُوا) يا (عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا) باكتساب ما تصيرون به كإخوان النَّسب في الشَّفقة والرَّحمة والمحبَّة والمواساة والنَّصيحة.
٦٠٦٥ - وبه قال:(حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حَمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا) حقيقتُه أن يقعَ بين اثنين وقد يكون من واحدٍ وكذا ما بعده، وهو قوله:(وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا) قيل: معناه لا يستأثر أحدُكم على الآخر لأنَّ المستأثر يولِّي دُبره حين يستأثر بشيءٍ دون الآخر. وقال إمام الأئمَّة مالك في «موطَّئِه»: لا أحسب التَّدابر إلَّا الإعراض عن السَّلام يُدْبِر عنه بوجههِ. (وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا) قال في «شرح المشكاة»: إخوانًا يجوز أن يكون خبرًا بعد خبرٍ، وأن يكون بدلًا، أو هو الخبر، وقوله: عبادَ الله، منصوبٌ على الاختصاص بالنِّداء، وهذا الوجه أوقعُ، يعني أنتُم مستوون في كونكُم عبيد الله وملَّتكم ملةٌ واحدةٌ، فالتَّباغض والتَّحاسد والتَّدابر منافٍ لحالكم، فالواجبُ عليكم أن تكونوا إخوانًا متواصلين متألِّفين (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ) في الإسلام (فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) تخصيصُ الأخ بالذِّكر إشعارٌ بالعليَّة. ومفهومه أنَّه إن خالف هذه الشَّريعة وقطع هذه الرَّابطة جازَ هجرانهُ فوق ثلاثة، فإنَّ هجرةَ أهل الأهواءِ والبدع دائمةٌ على ممرِّ الأوقاتِ ما لم