للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أكَّد تحريم الخمرِ والميسر من وجوهٍ حيثُ صدَّر الجملة بـ ﴿إِنَّمَا﴾ وقرنها بعبادةِ الأصنام، ومنه الحديث: «شاربُ الخمرِ كعابدِ الوثن» وجعلهمَا رجسًا من عملِ الشَّيطان، ولا يأتي منه إلا الشَّر البحت، وأمر بالاجتنابِ، وجعل الاجتناب من الفلاحِ، وإذا كان الاجتنابُ فلاحًا كان الارتكابُ خسارًا، والأمر بالاجتنابِ للوجوب، وما وجبَ اجتنابُه حرم تناوله، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «﴿مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ … » إلى آخره، وقال بعد قولهِ: ﴿رِجْسٌ﴾: «الآيةَ».

٥٥٧٥ - وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ) سقط لأبي ذرٍّ «عبد الله» (أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا) من شربها (حُرِمَهَا) (١) بضم الحاء المهملة وكسر الراء مخففة، من الحرمان؛ أي: حرمَ شربها (٢) (فِي الآخِرَةِ) ولمسلم من طريق أيُّوب، عن نافعٍ: «فماتَ وهو مدمنها لم يشربْها في الآخرةِ». وظاهرُه: عدمُ دخوله الجنَّة ضرورةَ أنَّ الخمرَ شرابُ أهلها، فإذا حرم شربها دلَّ على أنَّه لا يدخلها، ولأنَّه إن حرمها عقوبةً له لزم وقوعُ الهمِّ والحزن له، والجنَّة لا همَّ فيها ولا حزن. وحملهُ ابنُ عبد البرِّ: على أنَّه (٣) لا يدخلها ولا يشربُ الخمر فيها إلَّا إن عفا الله عنه، كما في بقيَّة الكبائرِ وهو في المشيئةِ، فالمعنى: جزاؤه في الآخرةِ أن يحرمها لحرمانهِ دخول الجنَّة إلا إن عفا الله عنه، وجائزٌ أن يدخلَ الجنَّة بالعفوِ ثمَّ لا يشربُ فيها خمرًا، ولا تشتهيها نفسُه وإن علمَ بوجودهِ فيها، ويدلُّ له حديثُ أبي سعيدٍ المرويُّ عند الطَّيالسيِّ وصحَّحه ابن حبَّان مرفوعًا: «مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يلبسْه في الآخرةِ، وإن دخلَ الجنَّة لبسَه أهل الجنَّة ولم يلبسْه هو». وفرَّق بعضُهم بين من يشربها مستحلًّا لها ومن يشربها عالمًا بتحريمها، فالأوَّل: لا يشربُهَا أبدًا لأنَّه لا يدخل الجنَّة، والثَّاني: هو الَّذي اختلف فيه فقيل (٤): إنَّه يحرمُ شربها مدَّة ولو في حالِ تعذيبه إن عذب، أو المعنى: إنَّ ذاك


(١) في (م) زيادة: «الله».
(٢) في (م) زيادة: «عليه».
(٣) في (د): «أن».
(٤) في (م) و (د) زيادة: «فيه».

<<  <  ج: ص:  >  >>