للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قلتَ: قد جوزوا إساغةَ اللُّقمة بالجرعةِ من الخمر فلِمَ لم يجوِّزوا التَّداوي به، وأيُّ فرقٍ بينهما؟ أُجيب بأنَّ الإساغةَ يتحقَّق بها المرادُ بخلاف الشِّفاء فإنَّه غير محقَّقٍ كما لا يخفَى، وقد قال بعضُهم: إنَّ المنافعَ في الخمرِ قبل التَّحريم سُلِبَتْ بعده، فتحريمها مجزومٌ به وكونها دواء مشكوكٌ فيه، بل الرَّاجح أنَّها ليست بدواء بإطلاقِ الحديث. نعم، يجوزُ تناولها (١) في صورةٍ واحدةٍ وهي ما إذا اضطر إلى إزالةِ عقله لقطعِ عضوٍ من الأَكَلة، والعياذ بالله تعالى، فقد خرَّجه الرَّافعي على الخلاف في جوازِ التَّداوي بالخمرِ، وصحَّح النَّوويُّ هنا الجواز وهو المنصوصُ. قال في «الفتح»: ينبغِي أن يكون محله فيما إذا تعيَّن ذاك (٢) طريقًا إلى سلامةِ بقيَّة الأعضاء ولم يجد مرقدًا غيرها.

فإن قلتَ: ما وجهُ المطابقةِ بين التَّرجمة والأثرين؟ أَجاب ابن المنيِّر بأنَّه ترجمَ على شيءٍ وأعقبَه بضدِّه قال: وبضدِّها تتبين الأشياء، ثمَّ عادَ إلى ما يُطابق التَّرجمة نصًّا، ويحتمل أن يكون مراده بقول الزُّهري الإشارة بقولهِ تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ إلى أنَّ الحلواء والعسلَ من الطَّيِّبات فهما (٣) حلالٌ، وبقولِ ابن مسعودٍ الإشارة إلى قولهِ تعالى: ﴿فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩] فدلَّ (٤) الامتنانُ به على حلِّه، فلم يجعل الله الشِّفاء فيما حرَّم.

٥٦١٤ - وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حمادُ بنُ أسامة (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير بن العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ ) أنَّها (قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ يُعْجِبُهُ الحَلْوَاءُ) بالمدِّ ويجوزُ القصر (وَالعَسَلُ) قال النَّوويُّ: المراد بالحلواءِ في هذا الحديث: كلُّ شيءٍ حلو، وذِكْرُ العسل بعدها للتَّنبيه على شرفهِ ومزيَّته. وفي «شعب


(١) في (ص) و (م) و (د): «تناوله».
(٢) في (م) و (د): «ذلك».
(٣) في (ص) و (م) و (د): «فهو».
(٤) في (ص) زيادة: «لي أن».

<<  <  ج: ص:  >  >>