(فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ) الَّذي كان فيه الصَّحابة (١)، لا أهل بيتهِ ﷺ(وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ «لا تَضِلُّونَ»(بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: قُومُوا) عنِّي، استُنبطَ منه أنَّ الكتابةَ ليست بواجبةٍ، وإلَّا لم يترُكها ﷺ لأجلِ اختلافهم؛ لقوله تعالى: ﴿بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: ٦٧] كما لم يترك التَّبليغ لمخالفةِ من خالفَهُ ومعاداةِ من عاداهُ، وكما أمر في تلكَ الحالةِ بإخراجِ اليهود من جزيرةِ العربِ وغير ذلك، ولا يعارضُ هذا قوله:(قَالَ عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين، ابنُ عبد الله:(فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ) بالراء ثم الزاي فالتحتية المشددة، أي: المصيبة كلَّ المصيبة (مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ؛ لاِخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ) لأنَّ عمرَ كانَ أفقهَ من ابن عبَّاس قطعًا، وذلك أنَّه إن كانَ من الكتابِ بيانُ أحكامِ الدِّينِ ورفعُ الخلافِ فيها عَلِمَ عمر حصول ذلك من قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وعلمَ أنَّه لا تقعُ واقعةٌ إلى يومِ القيامةِ إلَّا وفي الكتابِ والسُّنَّة بيانُها نصًّا أو دَلالةً، وفي تكلُّفِ النَّبيِّ ﷺ في مرضهِ -مع شدَّةِ وجعهِ- كتابة ذلك مشقَّةٌ، فرأى الاقتصادَ على ما سبقَ بيانهُ تخفيفًا عليه، ولئلَّا ينسدَّ بابُ الاجتهادِ على أهلِ العلمِ والاستنباطِ، وإلحاق الأصولِ بالفروعِ، فرأى عمرُ ﵁ أنَّ الصَّوابَ تركُ الكتابةِ تخفيفًا عليه ﷺ وفضيلة للمجتهدينَ، وفي تركهِ ﷺ الإنكار عليه دليلٌ على استصوابِ رأيهِ.