جمهور الصُّوفيَّة إلى ترجيح الفقير الصَّابر؛ لأنَّ مدارَ الطَّريق على تهذيبِ النَّفس ورياضتِها وذلك مع الفقرِ أكثر منه في الغِنى. وقال بعضُهم: اختلفَ هل التَّقلُّل من المالِ أفضل؟ ليتفرَّغَ قلبه من الشَّواغلِ وينالَ لذَّة المناجاةِ ولا ينهمِك في الاكتسابِ؛ ليستريحَ من طولِ الحساب، أو التَّشاغلُ باكتسابِ المال أفضل؛ ليستكثرَ به من التَّقرُّب (١) بالبرِّ والصِّلة والصَّدقة لِمَا في ذلك من النَّفع المتعدِّي؟ قال: وإذا كان الأمرُ كذلك فالأفضلُ ما اختارَه النَّبيُّ ﷺ وجمهورُ أصحابه من التَّقلُّل في الدُّنيا والبعد عن زهرتهَا. وقال أحمدُ بن نصر الدَّاوديُّ: الفقرُ والغنى محنتانِ من اللهِ يختبرُ بهما عبادهُ في الشُّكر والصَّبر، كما قالَ الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف: ٧].
(١٧)(بابٌ) بالتَّنوين: (كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ) في حياتهِ (وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ) التَّبسُّط في (الدُّنْيَا) وشهواتها وملاذِّها.