للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال في «فتح الباري»: فيه ردٌّ على من حملَ الجُناحَ هنا على الإثمِ، ورتَّب على ذلك وجوبَ الدِّيَة؛ إذ لا يلزمُ من رفعِ الإثمِ رفعها؛ لأنَّ وجوب الدِّيَة من خطاب الوضع، ووجه الدَّلالة أنَّ إثبات الحلِّ يمنع ثبوتَ القصاص والدِّيَة، وعند الإمام أحمدَ وابنِ أبي عاصم والنَّسائيِّ وصحَّحه ابن حبَّان والبيهقيِّ كلّهم من رواية بشيرِ بن نَهِيك عن أبي هريرة : «مَن اطَّلع في بيتِ قومٍ بغيرِ إذنهم ففقؤوا عينَه فلا ديَة ولا قِصاص»، وهذا صريحٌ في ذلك.

وفي هذا الحديث فوائد كثيرةٌ، واستُدلَّ به على جواز رمي من يتجسَّس، فلو لم يندفعْ بالشَّيء الخفيف جازَ بالثَّقيل، وأنَّه إن أُصيبتْ (١) نفسُه أو بعضه فهو هدرٌ، وقال المالكيَّة بالقِصاص، وأنَّه لا يجوزُ قصدُ العين ولا غيرها، واعتلُّوا بأنَّ المعصيةَ لا تُدفع بالمعصيةِ. وأَجاب الجمهورُ بأنَّ المأذون فيه إذا ثبتَ الإذنُ لا يسمَّى معصيةً، وإن كان الفعل لو تجرَّد عن هذا السَّبب يعدُّ معصيةً، وقد اتُّفق على جواز دفعِ الصَّائل، ولو أتى على نفسِ المدفوع وهو بغير السَّبب المذكورِ معصية، فهذا يلتحقُ (٢) به مع ثبوتِ النَّصِّ فيه، وأجابوا عن الحديث بأنَّه وردَ على سبيلِ التَّغليظ والإرهاب، وهل يُشترط الإنذارُ قبل الرَّمي؟ الأصحُّ (٣) عند الشَّافعيَّة لا، وفي حكم التَّطلُّع من خَلَل الباب النَّاظرُ (٤) من كَوَّة من الدَّار، وكذا من وقفَ في الشَّارع فنظرَ إلى حريمِ غيرِه، ولو رماهُ بحجرٍ ثقيلٍ أو سهمٍ مثلًا (٥) تعلَّق به القصاص، وفي وجهٍ لا ضمان مطلقًا ولو لم يندفعْ إلَّا بذلك جازَ.

والحديث سبق في «كتاب بدء السَّلام» [خ¦٦٨٨٨].

(٢٤) (باب العَاقِلَةِ) بكسر القاف، جمع: عاقل، وعاقلة الرَّجل: قراباتُه من قبل الأبِ وهم عصبته، وسُمُّوا عاقلةً لِعَقْلِهم الإبلَ بفناءِ دار المستَحِقِّ، ويُقال: لتحمُّلِهم عن الجَاني العَقْل، أي: الدِّيَة، ويُقال: لمنعِهم عنه، والعقلُ المنعُ، ومنه سُمِّي العقلُ عقلًا لمنعهِ من الفواحش،


(١) في (د): «وإن أصيبت».
(٢) في (ع) و (د): «ملحق»، وهو كذلك في الفتح.
(٣) في (د): «والأصح».
(٤) في (س): «النظر».
(٥) «مثلًا»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>