وبالجملة؛ فمناقب أبي عبد الله البخاريِّ كثيرةٌ، ومحاسنه شهيرةٌ، وفيما ذكرته كفايةٌ ومقنعٌ وبلاغٌ.
(تنبيهٌ وإرشادٌ): رُوِّينا عن الفَِرَبْريِّ أنَّه قال: سمع «صحيحَ البخاريِّ» من مؤلِّفه تسعون ألفَ رجلٍ، فما بقي أحدٌ يرويه عنه غيري.
قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله تعالى: أطلق ذلك بناءً على ما في علمه، وقد تأخَّر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمَّد بن عليِّ بن قَرِيْنَة -بقافٍ ونونٍ، بوزن كَبِيْرَة- البَزْدويُّ؛ بفتح الموحَّدة وسكون الزَّاي، وكانت وفاته سنة تسعٍ وعشرين وثلاث مئةٍ، وهو آخر من حدَّث عن البخاريِّ بـ «صحيحه»، كما جزم به أبو نصر بن ماكولا وغيره، وقد عاش بعده ممَّن سمع من البخاريِّ القاضي الحسين بن إسماعيل المحامليُّ ببغداد، ولكن لم يكن عنده «الجامع الصَّحيح»، وإنَّما سمع منه مجالسَ أملاها ببغداد في آخر قدمةٍ قدمها البخاريُّ، وقد غلط من روى «الصَّحيح» من طريق المحامليِّ المذكور غلطًا فاحشًا.
ومن رواة «الجامع الصَّحيح» ممَّن اتَّصلت لنا روايته بالإجازة: إبراهيم بن معقلٍ النَّسفيُّ الحافظ، وفاتَهُ منه قطعةٌ من آخره رواها بالإجازة، وتُوفِّي سنة أربعين ومئتين (١). وكذلك حمَّاد بن شاكر النَّسَويُّ؛ بالنُّون والمهملة، وأظنُّه تُوفِّي في حدود التِّسعين، وله فيه فوتٌ أيضًا.
واتَّصلت لنا روايته من طريق المُستملي والسَّرخسيِّ والكُشْمِيهَنِيِّ
(١) كذا قال ﵀، والصواب أن وفاته كانت سنة خمس وتسعين ومئتين. انظر سير أعلام النبلاء (٢٦/ ١).