(عَنْ عَائِشَةَ ﵂) أنَّها (قَالَتْ: خَيَّرَنَا) أي: أمَّهات المؤمنين (رَسُولُ اللهِ ﷺ) بين الدُّنيا والآخرة، فإن اخترنَ الدُّنيا طلَّقهن طلاق السُّنَّة (فَاخْتَرْنَا اللهَ وَرَسُولَهُ فَلَمْ يُعَدَّ) بضم أوَّله وفتح العين والدال المهملة المشدَّدة (ذَلِكَ) التَّخيير (عَلَيْنَا شَيْئًا) من الطَّلاق.
وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في «الطَّلاق»، والتِّرمذيُّ في «النِّكاح»، والنَّسائيُّ فيه وفي «الطَّلاق»، وابن ماجه في «الطَّلاق».
٥٢٦٣ - وبه قال:(حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابنُ مسرهدٍ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيدٍ القطَّان (عَنْ إِسْمَاعِيلَ) بن أبي خالدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَامِرٌ) هو ابنُ شراحيل الشَّعبيُّ (عَنْ مَسْرُوقٍ) أنَّه (قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ)﵂(عَنِ الخِيَرَةِ) بكسر الخاء المعجمة وفتح التحتية والراء، أي: تخيير الرَّجل زوجتَه في الطَّلاق وعدمهِ (١)(فَقَالَتْ): ليس طلاقًا، واستدلَّت لذلك بقولها:(خَيَّرَنَا النَّبِيُّ ﷺ) أي: أزواجَهُ فاخترنَاهُ (أَفَكَانَ) تخييرهُ (طَلَاقًا؟!) استفهامٌ على سبيل الإنكار.
(قَالَ مَسْرُوقٌ) بالإسناد السَّابق: (لَا أُبَالِي أَخَيَّرْتُهَا وَاحِدَةً أَوْ مِئَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي) واختُلف فيما إذا اختارتْ نفسها هل تقع طلقةً واحدةً رجعيَّةً، أم بائنًا، أو تقع ثلاثًا؟ فقال المالكيَّة: تقع ثلاثًا لأنَّ معنى الخيار بتُّ أحد الأمرين إمَّا الأخذ أو التَّرك، فلو قلنا: إذا اختارتْ نفسها تكون طلقةً رجعيَّةً لم يعمل بمقتضى اللَّفظ لأنَّها تكون بعده في أسر الزَّوج. وقال الحنفيَّة: واحدةٌ بائنةٌ. وقال الشَّافعيَّة: التَّخيير كنايةٌ، فإذا خيَّر الزَّوج امرأته وأرادَ بذلك تخييرها بين أن تَطْلُق منه، وبين أن تستمرَّ في عِصمتهِ، فاختارتْ نفسها وأرادت بذلك الطَّلاق، طَلُقَتْ لقول عائشة: فاخترناهُ فلم يكن ذلك طلاقًا؛ إذ مقتضاهُ أنَّها لو اختارتْ نفسها كان طلاقًا، لكن مفهوم قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٨] أي: بعد الاختيار أنَّ ذلك بمجرَّده لا يكون طلاقًا بل لا بدَّ من إنشاءِ الزَّوج الطَّلاق، فلو قالت: لم أرد باختيارِ نفسي الطَّلاق صدقتْ، فلو وقع التَّصريح بالتَّطليق يقع جزمًا. واختلفوا في التَّخييرِ هل هو بمعنى التَّمليك أو التَّوكيل؟ والصَّحيح عندنا أنَّه