التَّحريم إنَّما كان بعد رجوعه ﷺ من خيبر كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في «الجهاد» و «المغازي»، أو أنَّ النَّهي (١) عنه مقصورٌ على القطع الذي يحصل به الإفساد، فأمَّا من يقصد الإصلاح فلا، أو النَّهي إنَّما يتوجَّه إلى ما أنبته الله من الشَّجر ممَّا لا صنع للآدميِّ فيه؛ كما حُمِل عليه النَّهيُ عن قطع شجر مكَّة، وعلى هذا يُحمَل قطعه ﵊ وجعله قبلة المسجد، ففيه تخصيص النَّهي عن قطع الشَّجر بما لا ينبته الآدميُّون كما أنَّ في الحديث السَّابق [خ¦١٨٦٧] التَّصريحَ بكون المدينة حرمًا، وهذا الحديث مضى في «الصَّلاة»[خ¦٤٢٨] ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى في «المغازي»[خ¦٣٩٣٢].
١٨٦٩ - وبه قال:(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) الأويسيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَخِي) عبد الحميد بن عبد الله (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن بلالٍ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين مُصغَّرًا العمريِّ، ولأبي ذرٍّ زيادة:«ابن عمر»(عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: حُرِّمَ) بضمِّ الحاء وكسر الرَّاء؛ أي: حرَّم اللهُ، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي:«حَرَم» بفتحتين مرفوعٌ خبرٌ مُقَدَّمٌ، والمبتدأ (مَا بَيْنَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي) بتخفيف المُوحَّدة تثنية لابةٍ؛ وهي الحرَّة: الأرض ذات الحجارة السُّود، والمدينة ما بين حرَّتين عظيمتين: إحداهما شرقيَّة، والأخرى غربيَّة، ووقع عند أحمد من حديث جابرٍ:«وأنا أحرِّم ما بين حَرَّتيها»، وزعم بعض الحنفيَّة: أنَّ الحديث مضطربٌ لأنَّه وقع في روايةٍ [خ¦٥٤٢٥]: «ما بين جبليها»، وفي روايةٍ:«ما بين لابتيها»، وأُجيب بأنَّ الجمع واضحٌ، وبمثل هذا لا تُرَدُّ الأحاديث الصَّحيحة، ولو تعذَّر الجمع أمكن التَّرجيح، ولا ريب أنَّ رواية:«لابتيها» أرجح لتوارد الرُّواة عليها، ورواية:«جبليها» لا تنافيها، فيكون عند كلِّ لابةٍ جبلٌ، أو لابتيها من جهة الجنوب والشِّمال، وجبليها من جهة المشرق والمغرب، وتسمية الجبلين في روايةٍ أخرى لا تضرُّ، وزاد مسلمٌ في بعض طرقه:«وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمًى»، وعند أبي داود