للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّفظ الواحد في الشَّرط والجزاء، وهذا من محاسن علم البيان، وقُدِّر المضاف وهو قوله: جميع ما أُنزِل؛ لأنَّه صلوات الله وسلامه عليه كان مبلِّغًا، فعلى هذا: فائدة الأمر المبالغة والكمال؛ يعني: ربَّما أتاك الوحي بما تكره أن تبلغه خوفًا من قومك، فبلِّغ الكلَّ ولا تخف، وقال الرَّاغب -فيما حكاه الطِّيبيُّ-: فإن قيل: كيف قال: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ وذلك كقولك (١): إن لم تبلِّغ فما بلَّغت؟ قيل: معناه: وإن لم تبلِّغ كلَّ ما أُنزِل إليك؛ تكون في حكم من لم يبلِّغ شيئًا ممَّا أنزل الله، بخلاف ما قالت الشِّيعة: إنَّه (٢) قد كتم أشياء على سبيل التَّقيَّة، وعن بعض الصُّوفيَّة: ما يتعلَّق به مصالح العباد وأُمِر بإطلاعهم عليه؛ فهو مُنزَّه عن كتمانه، وأمَّا ما خُصَّ به من الغيب ولم يتعلَّق به مصالح أمَّته؛ فله بل عليه كتمانه.

٤٦١٢ - وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الفريابيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ) هو ابن أبي خالدٍ البجليُّ الكوفيُّ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامر بن شراحيل (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو ابن الأجدع (عَنْ عَائِشَةَ ) أنَّها (قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: «ممَّا أنزل الله عليه» (فَقَدْ كَذَبَ، وَاللهُ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ الاية [المائدة: ٦٧]) وسقط لفظ «من ربك» لغير أبي ذرٍّ، وفي «الصَّحيحين» عنها [خ¦٧٤٢٠]: لو كان محمَّدٌ (٣) كاتمًا شيئًا لكتم هذه الآية: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب ٣٧] وقد شهدت له أمَّته بإبلاغ الرِّسالة وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته (٤) يوم حجَّة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحوٌ من أربعين ألفًا، كما ثبت في «صحيح مسلمٍ».


(١) في (ب): «كقوله».
(٢) في (د): «بأنَّه»، وليس فيها: «قد».
(٣) في (ص): «رسول الله».
(٤) زيد في (م): «في».

<<  <  ج: ص:  >  >>