للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وثانيهما: أن يُراد تفضيل الحمد على التَّسبيح، وأنَّ ثوابه ضِعف ثواب التَّسبيح؛ لأنَّ التَّسبيح نصف الميزان، والتَّحميد وحده يملؤه؛ وذلك لأنَّ الحمد المطلق إنَّما يستحقُّه من كان مُبرّأً عن النَّقائص، منعوتًا بنعت الجلال وصفات الإكرام، فيكون الحمد شاملًا للأمرين وأعلى القسمين، وإلى الوجه الأوَّل أشار بقوله: «كلمتان خفيفتان على اللِّسان، ثقيلتان في الميزان» وقوله: «لا إله إلَّا الله ليس لها حجابٌ» لأنَّها اشتملت على التَّنزيه والتَّحميد، ونفى ما سواه تعالى صريحًا، ومن ثمَّ جعله من جنسٍ آخر؛ لأنَّ الأوَّلين دخلا في معنى الوزن والمقدار في الأعمال، وهذا حصل منه القرب إلى الله تعالى من غير حاجزٍ ولا مانعٍ (١) ففي «مسلمٍ» من حديث جويرية: أنَّه خرج من عندها بكرةً حين صلَّى الصُّبح وهي في مسجدها، ثمَّ رجع بعد أن أضحى وهي جالسةٌ، قال: ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النَّبيُّ : «لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مرَّاتٍ، لو وُزِنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» صرَّح في القرينة الأولى بالعدد، وفي الثَّالثة (٢) بالزِّنة، وترك الثَّانية والرَّابعة منهما (٣) ليؤذن بأنَّهما لا يدخلان في جنس المعدود والموزون، ولا يحصرهما المقدار لا حقيقةً ولا مجازًا، فيحصل التَّرقِّي حينئذٍ من عدد الخلق إلى رضا الحقِّ، ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات، وفي «التِّرمذيِّ» من حديث سعد بن أبي وقَّاصٍ : أنَّه دخل مع النَّبيِّ على امرأةٍ وبين يديها نوًى أو حصَى تسبِّح به؛ فقال: «ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السَّماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالقٌ، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلَّا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله مثل ذلك» وفي قوله: «عدد ما هو خالقٌ» إجمالٌ بعد تفصيلٍ؛ لأنَّ اسم الفاعل إذا أُسنِد إلى الله يفيد الاستمرار من بدء الخلق إلى الأبد، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله [خ¦٦٤٠٥]: «من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مئة مرَّةٍ


(١) قوله: «ففي مسلمٍ عن … ولا مانعٍ» جاء في (د) و (ص) بعد قوله لاحقًا: «من بدء الخلق إلى الأبد».
(٢) في (ع): «الثانية»، وهو تحريفٌ.
(٣) في (ع): «معها».

<<  <  ج: ص:  >  >>