للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمَّ شربَ إذ ذاك من زمزمَ قبل أن يعودَ إلى بعيرهِ، واسْتُدِلَّ بهذه الأحاديث على جوازِ الشُّرب قائمًا وهو مذهبُ الجمهور، وكرههُ قومٌ لحديث أنسٍ عند مسلم: «أنَّ النَّبيَّ زجرَ عن الشُّرب قائمًا». وحديث أبي هريرة في مسلمٍ أيضًا: «لا يشربَنَّ أحدُكم قائمًا فمَن نسيَ فليستقئْ».

وعند أحمد من حديثه: أنَّه رأى رجلًا يشرب قائمًا فقال: «قه» قال: لمه؟ قال: «أيسرُّك أن يشربَ معك الهرُّ؟» قال: لا، قال: «قد شربَ معكَ مَن هو شرٌّ منه الشَّيطان» لكنَّهم حملوا النَّهي على الاستحباب، والحث على ما هو أولى وأكمل، وذلك لأنَّ في الشُّرب قائمًا ضررًا ما، فَكُرِهَ (١) من أجلهِ لأنَّه يحرِّك خلطًا يكون القيءُ دواءه (٢)، وقولهُ في الحديث: «فمَن نسيَ» لا مفهوم له، بل يستحبُّ ذلك للعامد أيضًا بطريق الأولى، وقد سلكَ الأئمةُ في هذه الأحاديث مسالك؛ أحسنُها حملُ أحاديث النَّهي على كراهةِ التَّنزيه، وأحاديث الجوازِ على بيانه، وقيل: النَّهي إنَّما هو من جهةِ الطِّبِّ مخافةَ وقوعِ ضررٍ به، فإن الشُّرب قاعدًا أمكنُ وأبعدُ من السَّرف، وحصولِ وجع الكبدِ والحلق، وقد لا يأمن منه من شربَ (٣) قائمًا على ما لا يخفَى.

(١٧) هذا (٤) (بابُ) حكمِ (مَنْ شَرِبَ وَهْوَ) أي: والحال أنَّه (وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ) استُشكل قولهُ: واقفٌ على بعيرهِ (٥) لأنَّ الرَّاكب على البعيرِ قاعدٌ لا قائم. وأُجيب بأنَّ الرَّاكب من حيثُ كونه سائرًا يشبهُ القائم، ومن حيثُ كونه مستقرًّا على الدَّابة يشبهُ القاعد، فمرادُه بيان حكمِ هذه الحالةِ، هل تدخلُ تحت النَّهيِّ أم لا؟


(١) ضبطت في (د) بوجهين: المثبت، و «ضرارًا فأنكره»، وهذا الأخير هو الذي في «الفتح».
(٢) في (م): «داءه».
(٣) في (د): «يشرب».
(٤) «هذا»: ليست في (س).
(٥) «على بعير»: ليست في (ص) و (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>