أنَّ المراد اعتبار «سبحان الله وبحمده» كلمةً، و «سبحان الله العظيم» كلمةً، فهذا كما يصحُّ أن يُعبَّر عنه بكلمةٍ كذلك يصحُّ أن يعبَّر عن كلِّ جملةٍ منه بكلمةٍ، غير أنَّه لمَّا كان كلٌّ من الجملتين -أعني:«سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» - ممَّا يستقلّ ذكرًا تامًّا ويُفرَد بالقصد اعتُبِر كلمةً وعُبِّر عنهما بكلمتين، على أنَّ ما ذكره لازمٌ على تقدير جعل «سبحان الله» الخبرَ كما هو لازمٌ على تقدير جعله مبتدأً؛ لأنَّه كما لا يصحُّ أن يُخبَر عمَّا هو كلمةٌ بأنَّه كلمتان كذلك لا يُخبَر عمَّا هو كلمتان بما هو كلمةٌ. انتهى.
وفي هذا الحديث من علم البديع: المقابلةُ والمناسبة والموازنة في السَّجع، أمَّا المقابلة فقد قابل الخفَّة على اللِّسان بالثِّقل في الميزان، وأمَّا الموازنة في السَّجع؛ ففي قوله:«حبيبتان إلى الرَّحمن» ولم يقل: للرَّحمن؛ لأجل موازنته على اللِّسان، وفيه نوعٌ من الاستعارة في قوله:«خفيفتان» فإنَّه كنايةٌ عن قلَّة حروفهما ورشاقتهما، قال الطِّيبيُّ: فيه استعارةٌ؛ لأنَّ الخفَّة مستعارةٌ للسُّهولة. انتهى. والظَّاهر أنَّها من قبيل الاستعارة بالكناية، فإنَّه شبَّه سهولة جريانهما على اللِّسان بما يخفُّ على الحامل من بعض الأمتعة، فلا تتعبه كالشَّيء الثقيل، فحذف ذكر المشبَّه به وأبقى شيئًا من لوازمه وهو الخفَّة، وأمَّا الثِّقل فعلى الحقيقة عند أهل السُّنَّة؛ إذ الأعمال تتجسَّم كما مرَّ، وفيه حثٌّ على المواظبة عليها، وتحريضٌ على ملازمتها، وتعريضٌ بأنَّ سائر التَّكاليف صعبةٌ شاقَّةٌ على النُّفوس ثقيلةٌ، وهذه خفيفةٌ سهلةٌ عليها مع أنَّها تثقل في الميزان، وقد رُوِي في الآثار أنَّ عيسى ﵇ سُئِل: ما بال الحسنة تثقل والسَّيِّئة تخفُّ؟ فقال: لأنَّ الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت، فلا يحملنَّك ثقلها على تركها، والسَّيِّئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفَّت عليكم، فلا يحملنَّك على فعلها خفَّتها، فإنَّ بذلك تخفُّ الموازين يوم القيامة.
ويستفاد من هذا الحديث أنَّ مثل هذا السَّجع جائزٌ، وأنَّ المنهيَّ عنه في قوله ﷺ:«سجعٌ كسجع الكهَّان» ما كان متكلَّفًا أو متضمِّنًا لباطلٍ، لا ما جاء عن غير قصدٍ، أو تضمَّن حقًّا.
وفيه من علم العروض إفادة: أنَّ الكلام المسجَّع ليس بشعرٍ فلا يُوزَن وإن جاء على وفق البحور في الجملة هذا مع ضميمة قوله تعالى ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٦٩] وقد جاء في