للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنَّ من جملة الأسباب المقتضية لتقديم المسند تشويقَ السَّامع إلى المبتدأ بأن يكون في المسند المقدَّم طولٌ يشوِّق النَّفس إلى ذكر المسنَد إليه، فيكون أوقعَ في النَّفس، وأدخلَ في القبول؛ لأنَّ الحاصل بعد الطَّلب أعزُّ من المساق (١) بلا تعبٍ، ولا يخفى أنَّ ما ذكره القوم متحقِّقٌ في هذا الحديث، بل هو أحسن من المثال الذي أوردوه بكثير (٢)، وهو قول الشَّاعر:

ثَلاثةٌ تشرقُ الدُّنيا ببهجَتِها … شمسُ الضُّحى وأبو إسحاق والقمر

ومراعاة مثل هذه النُّكتة البلاغيَّة هو الظَّاهر من تقديم الخبر على المبتدأ، لكن رجَّح المحقِّق الكمال ابن الهمام أنَّ «سبحان الله» هو الخبر، قال: لأنَّه مُؤخَّرٌ لفظًا، والأصل عدم مخالفة اللَّفظ محلَّه إلَّا لموجبٍ يوجبه، قال: وهو من قبيل الخبر المفرد بلا تعدُّدٍ؛ لأنَّ كلًّا من «سبحان الله» مع عامله المحذوف الأوَّل، والثَّاني مع عامله الثَّاني إنَّما أُريد (٣) لفظه، والجمل المتعدِّدة إذا أُريد لفظها فهي من قبيل المفرد الجامد، ولذا لا تتحمَّل ضميرًا، ولأنَّه محطُّ الفائدة بنفسه، بخلاف «كلمتان» فإنَّه إنَّما يكون محطًّا للفائدة باعتبار وصفه بالخفَّة على اللِّسان، والثِّقل في الميزان، والمحبَّة للرَّحمن، ألا ترى أنَّ جعلَ «كلمتان» الخبرَ غيرُ بيِّنٍ؛ لأنَّه ليس متعلِّق الغرض الإخبار منه عن «سبحان الله … » إلى آخره أنَّهما كلمتان، بل بملاحظة وصف الخبر بما (٤) تقدَّم (٥)، أعني: «خفيفتان، ثقيلتان، حبيبتان» فكان اعتبار «سبحان الله … » إلى آخره خبرًا أَولى، وقد ذهب بعضهم إلى تعيين خبريَّة «سبحان الله … » إلى آخره، ووجَّهه بوجهين:

أحدهما: أنَّ «سبحان الله» لزمَ الإضافةَ إلى مفردٍ، فجرى مجرى الظُّروف، والظُّروف لا تقع إلَّا خبرًا. ثانيهما: أنَّ «سبحان الله … » إلى آخره كلمةٌ؛ إذ المرادُ بالكلمة في الحديث اللُّغويَّةُ كما تقدَّم، فلو جُعِل مبتدأً لزم الإخبار عمَّا هو كلمةٌ بأنَّه كلمتان، وأُجيب بأنَّه لا يخفى على سامعٍ


(١) في (ب) و (س): «المنساق».
(٢) «بكثير»: ليس في (د).
(٣) زيد في (ص): «به».
(٤) في (د): «كما».
(٥) زيد في (د): «أي».

<<  <  ج: ص:  >  >>