للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنَّه الرَّبُّ على الإطلاق، للأنفس والآفاق، فهو المستحقُّ لأن يُشكَر ويُعبَد بكلِّ ما يمكن على الانفراد بالحقِّ والحقيقة، وتوحيد الرُّبوبيَّة حجَّةٌ ملزمةٌ وبرهانٌ موجبٌ توحيد الألوهيَّة، فتتضمَّن هذه الكلمة إثبات التَّوحيدين كما تتضمَّن إثبات الكمالين، وهذان الإثباتان في ضمنهما كلُّ مدحٍ ممكنٍ فيما يرجع إلى الله تعالى، ولمَّا كان الاتِّصاف بالكمال الوجوديِّ مشروطًا بخلوِّه عمَّا ينافيه قُدِّم التَّسبيح على التَّحميد في الذِّكر كما تُقدَّمُ التَّخليةُ على (١) التَّحلية، ومن هذا القبيل تقدُّم النَّفي على الإثبات في «لا إله إلَّا الله». انتهى.

والواو في قوله: (وَبِحَمْدِهِ) للحال، أي: أسبِّحه متلبِّسًا بحمدي له، من أجل توفيقه لي للتَّسبيح ونحوه، وقيل: عاطفةٌ، أي: أسبِّح وأتلبَّس (٢) بحمده، وأمَّا الباء فيحتمل أن تكون سببيَّةً، أي: أسبِّح الله وأُثني عليه بحمده، وقال ابن هشامٍ في «مغنيه»: اختُلِف في الباء من قوله: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [الحجر: ٩٨] فقيل: إنَّها للمصاحبة، والحمد مضافٌ للمفعول، أي: سبِّحه حامدًا له، أي: نزِّهه عمَّا لا يليق به، وأثبِتْ له ما يليق به، قال البدر الدَّمامينيُّ في شرحه لـ «المغني»: قصد -أي: ابن هشامٍ- تفسير التَّسبيح والحمد بما ذكره إذ هو الثَّناء بالصِّفات الجميلة، فإن قلت: من أين يلزم الأمر بالحمد، وهو إنَّما وقع حالًا مقيِّدةً للتَّسبيح، ولا يلزم من الأمر بشيءٍ الأمر بحاله المقيِّدة له بدليل: اضرب هندًا جالسةً؟ وأجاب: بأنَّه إنَّما يلزم ذلك إذا لم يكن الحال من نوع الفعل المأمور به، ولا من فعل الشَّخص المأمور كالمثال المذكور، أمَّا إذا كانت بعض أنواع الفعل المأمور به نحو: حُجَّ مفردًا (٣) أو قارنًا (٤)، أو كانت من فعل المأمور به (٥) نحو: ادخل مكَّة محرمًا، فهي مأمورٌ بها، وما تكلَّم فيه (٦) في «المغني» من هذا القبيل. انتهى. قال في «المغني»: وقيل: الباء للاستعانة، والحمد مضافٌ للفاعل، أي: سبِّحه بما حمد به نفسه؛ إذ ليس كلُّ تنزيهٍ محمودًا، ألا ترى أنَّ تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثيرٍ من الصِّفات؟ وقال الخطَّابيُّ: المعنى: وبمعونتك التي هي نعمةٌ توجب عليَّ حمدك سبَّحتك، لا بحولي وقوَّتي


(١) «التَّخلية على»: سقط من (ع).
(٢) في (د): «ألتبس».
(٣) في (د): «منفردًا».
(٤) «أو قارنًا»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٥) «به»: ليس في (د).
(٦) في (د): «عنه».

<<  <  ج: ص:  >  >>