للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنظم نفسي في سلك الموقنين بتقديسه عن جميع ما لا يليق بجنابه سبحانه، وأنَّه (١) مقدَّسٌ أزلًا وأبدًا وإن لم يقدِّسه أحدٌ.

الثَّاني: أنَّه مصدرٌ نوعيٌّ على مثال ما يُقال: عظَّمِ السُّلطان تعظيمَ السُّلطان، أي: تعظيمًا يليق بجنابه، ويناسب من يتَّصف بالسَّلطنة، والمعنى: أسبِّحه تسبيحًا يختصُّ به، وذلك إذا كان بما (٢) يليق بجنابه ولا يستحقُّه غيره، فالإضافة لا إلى الفاعل ولا إلى المفعول، بل للاختصاص، فتأمَّله.

الثَّالث: أنَّه مصدرٌ نوعيٌّ، ولكنه على مثال ما يُقال: اذكر الله مثل ذكر الله، فالمعنى: أسبِّح الله تسبيحًا مثل تسبيح الله لنفسه، أي: مثل ما سبَّح الله به نفسه، فهو صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ بحذف المضاف إلى «سبحان» وهو لفظ المثل، فالإضافة في «سبحان الله» إلى الفاعل.

الرَّابع: أنَّه مصدرٌ أُرِيد به الفعل مجازًا كما أنَّ الفعل يُذكَر ويُراد به المصدر مجازًا كقوله: «تسمع بالمعيديِّ» وذلك لأنَّ (٣) المصدر جزء مفهوم الفعل، وذكرُ البعضِ وإرادة الكلِّ مجازٌ كعكسه، ولمَّا كان المراد منه (٤) الفعل الذي أُريد به إنشاء التَّسبيح بُنِي هذا المصدر على الفتح، فلا محلَّ له من الإعراب وذلك لأنَّ الأصل في الفعل أن يكون مبنيًّا وذلك لأنَّ الشَّبه الذي به أُعرِب المضارع منعدمٌ في الإنشاء، فمثله كمثل أسماء الأفعال، وهذا وجهٌ نحويٌّ يمكن أن يُقال به فافهم، قال: وما ذكرناه لا يبطل كون هذا اللَّفظ مُعرَبًا في الأصل، فلا يضرُّنا ما جاء في شعر أميَّة منوَّنًا، وأمَّا ما يتعلَّق بمعناه ومغزاه فهو أنَّه قد فُهِم من هذا أيضًا تقدُّس الأسماء والصَّفات؛ لأنَّ الذَّات مع الأسماء والصِّفات متلازمان في الوجود والعدم بالتَّحقيق، ولأنَّ انتفاء تقديس الأسماء والصِّفات يستلزم انتفاء تقديس الذَّات؛ لأنَّها قائمةٌ بالذَّات ومقتضياتها، لكنَّ انتفاء تقديس الذَّات منتفٍ، وإذا حصل الاعتراف والاعتقاد بأنَّه مُنزَّهٌ عن جميع النَّقائص وما لا ينبغي أن يُنسَب إليه ثبتت الكمالات ضرورةً التزامًا، وحصل توحيد الرُّبوبيَّة، وثبت التَّقديس في كلِّ كمالٍ عن المشابهة والمماثلة والشَّركة وكلِّ ما لا يليق، فثبت


(١) في (د): «والله».
(٢) في (د): «ممَّا».
(٣) في (ع): «أن».
(٤) في (د) و (ص): «من»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>